قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إن بلاده حريصة على التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على نهر النيل الأزرق.
وأكد السيسي، يوم الأربعاء، أن مصر تريد اتفاقا قانونيا ملزما وشاملا "يراعي كل شواغلنا.. وحين تعثرت المفاوضات توجهنا إلى مجلس الأمن سعيا لبلوغ هذا الاتفاق".
وتعثرت المفاوضات المستمرة منذ سنوات بين بلدي المصب؛ مصر والسودان، وبين إثيوبيا؛ بلد المنبع الذي شيد السد، حتى تدخلت أطراف دولية ونوقش الملف في مجلس الأمن.
خطوة أمر واقع جديدة
وعقدت الحكومة الإثيوبية برئاسة رئيس الوزراء، آبي أحمد، أول اجتماع لها بموقع سد النهضة، الأسبوع الماضي، وذلك في إطار إجراء تقييم للأيام المئة الأولى لجميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وحينها، أعلنت إثيوبيا خلال الأيام المقبلة إنتاج أول طاقة كهربائية من سد النهضة الذي بلغت فيه نسبة البناء 82 في المئة بطاقة إنتاجية قدرها 700 ميغاوات من توربينين تغطيان 20 في المئة من احتياجات البلاد من الكهرباء.
وفي خطوة جديدة لفرض سياسة الأمر الواقع، أعلنت إثيوبيا، الخميس، أنها ستبدأ قريبا إنتاج الطاقة من سد النهضة بقدرة 700 ميغاوات، كما أعلنت عزمها إزالة 17 ألف هيكتار من الغابات الشهر المقبل تمهيدا للملء الثالث لبحيرة السد الإثيوبي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، إن بلاده ستبدأ قريبا في إنتاج الطاقة من سد النهضة "وعلى السودان أن يحتفل بهذا الحدث لأنه المستفيد الأكبر".
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي، أن "إنتاج الطاقة من سد النهضة لا يعني توقف المفاوضات الثلاثية (مصر وإثيوبيا والسودان) بشأن القضايا العالقة"، مشيراً إلى أن "المفاوضات ستتواصل للتوصل إلى حل مربح للجميع".
ودعا مفتي دول المصب إلى "التأقلم مع ما وصل إليه سد النهضة حيث أصبح اكتماله أمرا واقعا".
وهنا يقول عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، إن الإعلان الإثيوبي الجديد بمثابة " فرض سياسة الأمر الواقع" على دولتي المصب مصر والسودان.
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع " سكاي نيوز عربية": "كما أن إعلان أديس أبابا إنتاج الكهرباء من توربينتين بقدرة 700 ميغاوات، يحمل رسالة سياسية للداخل الإثيوبي كمحاولة للم الشمل بعد الحرب الإثيوبية الأخيرة بين الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد وجبهة تحرير إقليم تغراي."
شراقي فسر أهداف الحكومة الإثيوبية من ذلك قائلا "حكومة آبي أحمد تخدع الإثيوبيين من جديد، فهي تريد تجميل صورتها ومنح الأمل بعد تلك الحرب، وإعلانها أمل كاذب".
خبير الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، قال إن مساعي إثيوبيا لتشغيل أول توربينين على مستوى منخفض (565 متر فوق سطح البحر) كان مقررا نهاية 2014 والسنوات السابقة وآخرها أكتوبر الماضي.
ويتابع "لتشغيل التوربينين بإنتاج حوالي 700 ميغاوات ثمة حاجة إلى مرور 3 مليار متر مكعب تم تخزينها، الموسم الماضي، إلى مصر والسودان، وقد لا تكفي التشغيل حتى بدء موسم الأمطار في يونيو القادم، إذا بدأ التشغيل في الأيام المقبلة.
فصل إنتاج الكهرباء عن المفاوضات
يضيف الخبير المصري في حديثه أن "حكومة آبي أحمد تقول للشعب إن هذه الكمية من الكهرباء سوف تكفي 20 في المئة من سكان إثيوبيا، وهو أمر ينافي الحقيقة لأن عدد سكان إثيوبيا هو 115 مليون نسمة، وبالتالي فإن 700 ميغاوات تكفي أقل من 2 في المئة من السكان وليس 20 في المئة".
وشرح أنه في حال تم توزيع ذلك الإنتاج بنصيب 8 ساعات فقط يوميا، فستكفي حوالي 7 مليون مواطن، وبالتالي سوف يكون 6 في المئة فقط من السكان قد استفادوا من الكهرباء لثلث الوقت".
وتساءل شراقي عن وجود شبكة الربط الكهربائي الداخلية التي ستنقل التيار الكهربائي للإثيوبيين؟، مؤكدا أنه "لا توجد شبكة قادرة على توزيع الكهرباء داخل إثيوبيا التي تصل مساحتها إلى مليون كيلومتر مربع".
وختم حديثه قائلا "هي خطوة مرفوضة لأن أديس أبابا تسعى من خلالها لفصل عملية التفاوض عن العملية الهندسية لإنشاء سد النهضة وتكملة الملء والتشغيل بشكل أحادي دون ربطه بالمفاوضات، وكأنهما مساران مختلفان، حتى تسير المفاوضات في مسار، فيما عملية التشييد وتشغيل السد في مسار ثان، سواء حدث اتفاق بين البلدان الثلاث أو لم يحدث".
وأدى اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا والتوترات في السودان إلى تنحية الأزمة الكبرى المتعلقة بسد النهضة بين القاهرة والخرطوم من جانب وأديس أبابا من جانب آخر، حيث انتهت المدة الزمنية التي جاءت في توصيات مجلس الأمن بشأن التوصل إلى اتفاق قانوني بين الأطراف الثلاثة.
ومؤخرا، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، إن بلاده ترفض اتفاقية ملزمة بشأن سد النهضة، وتنتظر دعوة الرئيس الكونغولي لاستئناف مفاوضات سد النهضة برعايته.
مصر والأزمة الإثيوبية
وعن الإعلان الإثيوبي، يقول الخبير والمحلل العسكري المصري، العميد سمير راغب، إن إثيوبيا خالفت حتى ديباجة "إعلان المبادئ" الموقع بين الدول الثلاث في عام 2015، والمكون من 10 بنود".
ويضيف في تصريحات لموقع" سكاي نيوز عربية"، أن أديس أبابا لم تلتزم خلال المفاوضات الماضية المستمرة منذ سنوات بأي بنود الاتفاق، حتى وصلت لتكون محادثات عبثية في كل جلسة تفاوض يتفق المفاوضون على نحو 95 في المئة من البنود، وتأتي جلسة أخرى لاستكمال باقي الاتفاق، فينسف المفاوض الإثيوبي ما تم التوصل إليه ويعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر".
وتابع راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، أن حكومة آبي أحمد تعاني من أزمة داخلية كبيرة بعد حرب التيغراي، وأمام تلك الضغوط تستدعي تعرضها لمؤامرة خارجية لمغازلة الداخل".
وأردف راغب أنه خلال الحرب الإثيوبية الأخيرة "خففت مصر لهجتها حيال أديس أبابا وراعت الأزمة الداخلية لحكومة آبي أحمد، ولأن القاهرة ليس لديها مشكلة في بناء سد النهضة وتشغيله طبقا لنموذج الربح المشترك، لكن بعد التوصل لاتفاق قانوني ملزم بين الجميع حول بناء وملء السد".
كما تساءل عن البنية التحتية التي أعدتها إثيوبيا لنقل تلك الكهرباء لمواطنيها أو تصديرها للسودان مثلما أعلنت سابقا، قائلا "إثيوبيا لا تمتلك البنية التحتية لنقل تلك الكهرباء للداخل، سواء خطوط النقل والأبراج والمحولات، وغيرها، وليست لديها شبكة ربط مع السودان لتصدير الكهرباء إليه".
وتقول القاهرة والخرطوم إن 10 سنوات من المفاوضات مع إثيوبيا باءت بالفشل، وإن سد النهضة بدأ بالفعل عملية ملء ثانية لخزانه، وأضافتا أن هذا لا ينتهك اتفاقية عام 2015 فحسب، بل يشكل تهديدا وجوديا لـ150 مليون شخص في دولتي المصب.
واكتمل بناء السد على النيل الأزرق بنسبة 80 بالمئة ومن المتوقع أن يصل إلى طاقة التوليد الكاملة في عام 2023، مما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.
وتقول إثيوبيا إن المشروع الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار ضروري لتعزيز التنمية الاقتصادية، وإمداد الغالبية العظمى من سكانها بالكهرباء.
وسبق لوزير الري المصري، محمد عبد العاطي، أن أشار إلى أن مصر تواجه تغيرا في إيراد نهر النيل نتيجة الإجراءات الإثيوبية الأحادية الخاصة بملء وتشغيل سد النهضة، دون الوصول لاتفاق قانوني ملزم فيما يخص قواعد تشغيل السد.