شهدت الساحة السياسية في العراق متغيرات جديدة، عقب الجلسة الأولى للبرلمان، والتي تمخضت عن التجديد لرئيسه السابق محمد الحلبوسي، فيما قال مراقبون إن العراق حقق خطوة جادة نحو المسار الصحيح، ببروز ثلاث قوى وازنة، يمكن لها أن تقود البلاد للمرحلة المقبلة، وتتحمل نتائج أدائها السياسي.
وأفضى الاتفاق الذي أبرمه التيار الصدري، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي، إلى توافق على رئاسة البرلمان، وهي من نصيب الكتل السنية بزعامة الحلبوسي، وسط توقعات بإمكانية تمرير رئاسة الجمهورية والوزراء بنفس الصيغة، وبشخصيات قريبة أو تابعة لتلك التحالفات.
وفي حال تمكنت تلك التحالفات من اختيار رئيس الجمهورية وفق رؤيتها، وتشكيل الحكومة الجديدة، فإن ذلك سيمثل ضربة لقوى الإطار التنسيقي (تجمع سياسي يضم الفصائل المسلحة، وائتلاف دولة القانون)، والتي رفضت اختيار الحلبوسي لرئاسة البرلمان، وانسحبت من الجلسة الأولى.
"طفرة" في العمل السياسي
وعقب الانتخابات النيابية، حقق الصدر 73 مقعدا في البرلمان الجديد، وهو ما مكّنه من تصدر قرار البيت الشيعي، أو عدم الاكتراث بالآراء الأخرى، خاصة أن القوى المقربة من طهران لم تتمكن من التوحد في داخلها، أو تقنع الأطراف السنية والكردية الأخرى بالاصطفاف معها.
واعتُبر هذا الاتفاق "طفرة" في العمل السياسي، وتقدمًا في الأداء، يحصل لأول مرة منذ سقوط نظام صدام عام 2003، حيث كانت التحالفات الطائفية، والمكوناتية تطغى على تفاهمات تشكيل الحكومة العراقية، وتدفع الجميع نحو المشاركة وتقاسم المناصب، دون إمكانية لتشكيل معارضة تقوّم الأداء الحكومي، وتلاحق الإخفاقات.
ويعتقد مراقبون ومحللون أن التكتل السياسي الجديد سيخلق فرصة لصناعة قرار سياسي جديد في العراق خلال المرحلة المقبلة، وفي حال بقي موحدا فبإمكانه اختيار باقي الرئاسات، ويحسم كل المناصب في التشكيلة الوزارية والمناصب العليا في الدولة.
وتمكن البرلمان العراقي، الأحد، من التجديد لرئيسه السابق محمد الحلبوسي، في جلسة شهدت فوضى وصراخا بين النواب، فضلا عن انسحاب برلمانيي قوى الإطار التنسيقي.
وفي هذا الإطار يرى الخبير في الشأن العراقي عقيل عباس، أن "هناك عدة مكتسبات تحصل عليها العراق، خلال جلسة الأحد، أبرزها أن الفائز تحدد بأنها الكتلة النيابية الأعلى مقاعد عقب الانتخابات، وليس بعد التحالفات، وهو تطور مؤسساتي مهم، لكنه على صعيد السياسة، كانت فيه خسارة لنحو نصف أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، وخرجت من معادلة تشكيل الحكومة، أو ضعفت، خاصة بعد انتهاء الجلسة الأولى، وحسم مسألة الكتلة الأكبر، التي كانت ورقة بأيديهم".
وأضاف عباس في تصريح لـسكاي نيوز عربية أن "حلفاء إيران الأساسيين خسروا كثيرًا، وهذا يؤكد أن إيران ليست المهيمنة في العراق، وأنها تفعل ما تشاء، أو تستطيع أن تفعل ما تريد، وهذا غير صائب، وهو ما تبين بشكل جلي، خلال جلسة الأحد".
انطلاق الجولة الثانية
وطبقا لمفهوم الأغلبية السياسية الذي يدافع عنه الزعيم الشيعي المتصدر الأول برلمانيا وشعبيا مقتدى الصدر، فإن فوز الحلبوسي ونائبيه حاكم الزاملي أحد صقور التيار الصدري، والكردي شاخوان عبدالله أحد قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤكد مضي الصدر في مسار الأغلبية الوطنية، رغم أنه لم يتمكن حتى الآن من اجتياز عقبة "الكتلة الأكبر".
ولغاية الآن، تمكن الصدر من إحراز الجولة الأولى لصالحه، عبر تنصيب الحلبوسي رئيسا للبرلمان، وفق الاتفاق الثلاثي، لتبدأ عقبها انطلاق المشاورات بشأن منصب رئيس الجمهورية، حيث ينص هذا الاتفاق على منح منصب الرئاسة لأحد أعضاء الحزب الديمقراطي، أو من يوافق عليه الحزب من الشخصيات الكردية الأخرى، حيث صعدت أسهم الرئيس الحالي برهم صالح مجددًا بعد تفاهمات داخلية أجريت داخل الأحزاب الكردية.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، إن "منصب رئيس الجمهورية لن يكون من نصيب حزبه"، مضيفًا في تصريحات نقلتها وسائل إعلام كردية: "سنتحدث مع الأطراف الأخرى بشأن هذه القضية".
وتابع: "يجب أن نكون على تواصل مع بعضنا، ونتشاور مع الأطراف الكردية الأخرى.. يجب أن نبتعد عن الغرور".
ووفقا للعرف الدستوري السائد في العراق منذ أول انتخابات جرت عام 2005، فإن القوى الكردية هي المعنية بترشيح رئيس الجمهورية الجديد.
ولا تبدي الأحزاب العراقية الأخرى اعتراضًا على ترشيح صالح لولاية ثانية، باستثناء بعض الفصائل المسلحة التي ترفض ذلك، بسبب مواقفه المحايدة من التنافس الإيراني-الأمريكي، على أرض العراق.