وجّهت حركة النهضة الإخوانية دعوة لأنصارها للنزول للشارع تونس، من أجل المشاركة في مسيرات 14 يناير الجاري، الذي كان عيدا للثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن الرئيس الحالي قيس سعيّد غيّر تاريخ الاحتفال إلى 17 ديسمبر، أي يوم اندلاعها.
الدعوة تأتي بعد نحو أسبوع على توقيف وزارة الداخلية التونسية العقل المدبر للإخوان، نور الدين البحيري، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، عدها محللون محاولة يائسة من التنظيم لن تنجح في هز الثقة في سعيّد الذي يحظى بنسبة تأييد أكثر من 70 بالمئة من التونسيين.
وتواجه حركة النهضة الإخوانية في تونس منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية في البلاد، وما تبعها من خطوات قضائية تستهدف محاسبة الفاسدين، مجموعة من الاتهامات تتعلق بإفساد المجال السياسي، وتلقي تمويلات خارجية، واختراق القضاء، فضلاً عن الاتهامات التي تتعلق بالإرهاب وملف الاغتيالات السياسية.
أذرع النهضة
الكاتب والمحلل السياسي التونسي، أيمن العبروقي، قال إن الدعوة للتظاهر صادرة عمّن يسمون أنفسهم "تونسيون ضد الانقلاب" التي تضم عدة وجوه سياسية، لكن في الحقيقة هم في خدمة حركة النهضة الإخوانية.
وأضاف العبروقي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أن النهضة هي تعمل على تحريك الشارع من الظل دون الظهور العلني، لأنها تعرف أن شعبيتها انهارت، وأي تحرك ستتبناه لن يحظى بدعم قوى سياسية معارضة مثل اليسار وبعض من يسمون أنفسهم بالشخصيات السياسية التقدمية.
وقال: "النهضة تحاول إدارة التحركات في الظل، وبعد أن فشلت كل التحركات المناهضة لرئيس الجمهورية في السابق تحاول أن تستغل مناسبات وطنية للتظاهرة، وربما قيادات النهضة نسوا أن تلك المناسبات لم تعد ذات رمزية للمواطن التونسي الذي أصبحت ظروف عيشه قاسية للغاية، جراء سياسات انتقامية انتهجوها طيلة عشر سنوات (...)".
ديك مذبوح
وأشار إلى أن "14 يناير أصبح ذكرى تحتفل بها النخبة السياسية التي استفادت من الثورة، لكن الشارع التونسي لم يعد يعر أي اهتمام لرمزية هذا اليوم، وذلك بسبب النهضة وحلفائها الذين خلقوا فجوة كبيرة بينهم وبين مطالب التونسيين".
وتابع: "إذن النهضة والوجوه المتحالفة معها لن يجنوا شيئا من هذا التحرك، وهي محاولة يائسة للإطاحة برئيس يحظى بتأييد 70 بالمئة من التونسيين، ولا تعدو كونها رقصة أخيرة لديك مذبوح".
ولفت إلى أن السر وراء هذا التحرك الضغط من أجل إطلاق سراح القيادي الإخواني قيد الإقامة الجبرية نور الدين البحيري، لكن هذا التحرك سيفشل كغيره من التحركات، لأن الشارع التونسي يرفض عودة منظومة الحكم الفاشلة".
حالة احتقان
وأوضح أن "النهضة منذ قرارات 25 يوليو تحاول أن تخلق بلبلة عبر إنشاء اضطرابات اجتماعية، كإضرابات سائقي المترو، أو شركات نقل الوقود التي تشير معطيات إلى أن الإخوان يسعون لإيجاد حالة من الاحتقان الاجتماعي عبر أذرعها الموجودة في النقابات والإدارات".
وحذر العبروقي من أي محاولات للجوء إلى العنف أو الإرهاب الذي هو ضمن عقيدتهم منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن مخططهم سيفشل لأن هذه الألاعيب أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، وربما ستفتح مزيدًا من الملفات القضائية ضد قيادات نهضاوية قريبًا.
عصيان وتسميم أجواء
وقبل يومين، اتهم سعيّد البعض بمحاولة ما وصفه بتسميم الأجواء التونسية، والاستعانة بأطراف خارجية للتدخل بسيادة البلاد، وتعهد بالتصدي لهؤلاء ومحاسبتهم، مؤكدا أن القانون فوق الجميع.
من جانبه، أكد وزير الداخلية توفيق شرف الدين، أن أطرافا تحاول جر المؤسسة الأمنية إلى التجاذبات السياسية ومحاولة استفزاز الأمنيين، بعد وضع نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري رهن الإقامة الجبرية، مضيفا أن "الأمر بلغ حد ارتكاب جرائم التحريض على العصيان".
وأوضح "أن أحد الأطراف تجرأ على مؤسسة وزارة الداخلية"، مشيرا إلى "أنه سيتم رفع موضوع تحريض الأمنيين على العصيان إلى القضاء العسكري".
عقاب رادع
ودعا حزب "التحالف من أجل تونس"، إلى تتبع شخصيات محسوبة على حركة "النهضة"، على خلفية دعوتها القوات الحاملة للسلاح إلى عصيان أوامر الرئيس قيس سعيد في احتجاز البحيري.
وقال الحزب، في بيان، إن دعوة البعض القوات الحاملة للسلاح إلى عصيان أوامر سعيّد وأوامر قادتهم المباشرين "جريمة تتطلب التتبع والعقاب الرّادع"، مؤكدا أنه "لا يمكن تصنيف مثل هذه الدعوات ضمن حرية التعبير والرأي".
والأسبوع الماضي، اقتحمت عناصر إخوانية تونسية مركزا أمنيا بمنطقة منزل جميل من محافظة بنزرت (شمال) للضغط من أجل إخراج نور الدين البحيري بالقوة، حيث يقبع في الإقامة الجبرية بنفس المنطقة منذ مطلع الشهر الجاري.
والبحيري هو الذراع اليمنى لزعيم إخوان تونس، راشد الغنوشي، شغل منصب وزير العدل بين عامي 2012 و2013، ومتهم بإخفاء ملفات تدين حركة النهضة في قضايا الإرهاب والاغتيالات السياسية وانتهاكات أخرى خلال توليه منصبه.