أثارت واقعة احتجاز التشادي نصور محمد إسحاق، وتعذيبه من قبل المليشيات الليبية، حالة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، لتعيد فتح قضية تهريب البشر التي باتت مصدر تمويل للإرهاب في ليبيا.
وفي مقطع فيديو قصير، ظهر إسحاق مكتوف الأيدي ملطخا بالتراب، جاثيا على ركبته بينما يوبخه ويتطاول عليه باليد أحد أفراد المليشيات، طالبا منه أن يتحدث بالعربية وأن يطلب فدية 35 مليونا وسط ركلات متتالية أوقعته أرضا عدة مرات.
بينما هدد المليشياوي الملثم بقتل التشادي المختطف، حال مرت 24 ساعة دون أن يحصل على ما طلب.
تشاد تعقب
وفي أول تعقيب لها، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والاندماج بجمهورية تشاد عن استيائها من التعذيب غير الإنساني الذي تعرض له الشاب التشادي من قبل الميليشيات الليبية.
وأضافت، في بيان نشرته بالفرنسية على موقع تويتر، أن "هذه الصور البغيضة التي تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي توضح المواقف المهينة وغير الإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة على الساحة الدولية".
وأكدت أن " الحكومة ستبذل من خلال وزارة الخارجية والتكامل الأفريقي والشعوب الأفريقية، كل جهد ممكن لضمان حماية حقوق الإنسان لهذا البلد وحمايتها".
وتتشارك ليبيا بحدود برية بطول حوالي خمسة آلاف كيلومتر مع مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس.
عصابات معروفة
الكاتب والمحلل السياسي السوداني، هيثم محمود، قال إن موقع السودان الجغرافي يجعلها معبرا رئيسيا للهجرة غير الشرعية خاصة من مناطق شرق ووسط إفريقيا مثل إثيوبيا وأوغندا وإريتريا وكينيا ومنها إلى الصحراء المصرية ثم إلى ليبيا.
وأضاف محمود لـسكاي نيوز عربية، أن هناك عصابات ومؤسسات وشركات منظمة تتولى الهجرة غير الشرعية حيث يقوم الشاب بدفع مبلغ مالي لمكاتب معروفة في الخرطوم تتستر تحت مسمى وكالات السفر والسياحة لإيصاله إلى إيطاليا.
وأشار إلى أنه يتم تفويج جزء من الهجرة من منطقة سوق ليبيا غرب أم درمان عبر سيارات لاندكروزر تحمل الشباب إلى الصحراء وسط غياب تام للسلطات خاصة الأعوام الأخيرة جراء التدهور الأمني.
وتابع: "لا يمر أسبوع إلا وتجد جارك، قريبك، قد غادر إلى ليبيا ومنها إلى المصير المحتوم، ولا يمر شهر إلا ونجد عشرات السودانيين ابتلعهم البحر".
ولفت إلى أن هناك عصابات في ليبيا تتاجر بالمهاجرين، حيث تستلم الشباب كرهائن وتتصل بأسرهم لدفع فدية حتى يعودوا لبلادهم من جديد.
ودعا إلى إغلاق الحدود عبر القوات وفرض عقوبات على عصابات الهجرة وتفتيش وكالات السفر ومكاتب السياحة التي تعمل في التهريب خاصة بمنطقة كسلا حيث هناك عصابات معروفة للجميع.
وتابع: "الهجرة غير الشرعية حطمت مستقبل وأسر كثير من الشباب، ساهم فيها الأوضاع الاقتصادية السيئة والبطالة والفقر والتضخم وتوقف التعليم خاصة على مدار السنوات الثلاثة الماضية في السودان".
أوروبا مسؤولة
المحلل السياسي، خالد عبد الكافي، قال إن واقعة الشاب التشادي تحدث بشكل شبه يومي، فليبيا على مدار السنين تعتبر بلد عبور تاريخي للمهاجرين غير الشرعيين من القارة السمراء وبعض دول آسيا الفقيرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط، لكن بعد سقوط نظام معمر القذافي أخذت هذه الهجرة وتيرة أخرى يتاجر من خلالها بأحلام الآلاف من الأشخاص الذين يفرون من الحرب في بلدانهم نحو أوروبا.
وأضاف عبد الكافي، في تصريحات لـسكاي نيوز عربية، أن ليبيا، بصفة عامة، ومدنها الجنوبية بصفة خاصة، باتت بوابة أفريقيا إلى أوروبا، وليبيا وفي ظل هذه الظروف التي تعانيها منذ سنوات لا يُمكنها بمفردها التصدي لهذا التهديد الأمني الإقليمي.
وحمل الاتحاد الأوروبي جزءا كبيرا من المسؤولية عن أزمة الهجرة غير الشرعية التي تضرب ليبيا وأوروبا معا، خاصة في ظل سهولة تدفق المهاجرين من الحدود الجنوبية للبلد الواقع شمال إفريقيا.
وأكد على أن ليبيا ستحتاج إلى موارد إضافية من الاتحاد الأوروبي لتأمين الحدود الجنوبية، مؤكدا أن هذا التأمين بات أولوية.
تمويل الإرهاب
وحول تفشي الظاهرة، قال إن سيطرة الميليشيات على غرب ليبيا دون رادع جعلهم يستخدمونها كنشاط يدر أموالا طائلة بعد فقدانهم التمويل الرسمي، والتضييق الدولي على الدول الضالعة في دعم الإرهاب في ليبيا.
وتابع: "المهاجرون يقعون رهينة في حرب الميليشيات ويدفعون ثمنا باهظا في ظل غياب الأمن، هم مجرد سلعة في ظل وجود روابط ضعيفة".
وحول دور حكومات الإخوان، أوضح أن تنظيم الإخوان يتبنى مخططا دوليا لإحداث تغيير سكاني عبر توطين المهاجرين، وتحويل ليبيا إلى مجمع لأعراق متصارعة، فتقل فيها عوامل التلاحم والحس الوطني ومن ثم يسهل السيطرة عليها.
منبع الهجرة
ووفق تحقيق ميداني أجراه في العام 2014 مركز "كارنيغي" للسلام، بعنوان "طريق التهريب في الصحراء الليبية"، أشار إلى أن الحدود الليبية مع السودان وتشاد تعتبر محورا رئيسيا من محاور التهريب، حيث يستغل المهربون الامتداد الجغرافي لتنفيذ عملياتهم لأنه يصعّب إمكانيات المراقبة التي تقع على الحدود سواء من جانب السودان أو تشاد مع الجانب الليبي، باعتبار البلاد بقيت لسنوات عاجزة عن إيجاد قوة قادرة على ضبط الحدود.
وتتم الهجرة غير المشروعة وعمليات تهريب البشر وفق آليات محددة واستخدام مسارات جغرافية باتت معروفة لعصابات التهريب، فالموقع الجغرافي لليبيا ووجودها على حدود ست دول أكسبها قيمة استراتيجية في منطقة تعيش على تحولات متسارعة سياسيا وأمنيا.
ميليشيات متخصصة
ووفق مصدر أمني لـسكاي نيوز عربية فإن هناك ميليشيات بعينها متخصصة في جلب المهاجرين، فمنها ميليشيات في الزنتان بطرابلس بقيادة الإخواني أسامة الجويلي وعماد الطرابلسي تجلبهم من مساحة عريضة تمتد من أقصى شرق أفريقيا لأقصى غربها، مثل تشاد ومالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وأريتريا والصومال وأثيوبيا، يساعدها في هذا التوغل التركي هناك.
وهناك أيضا ميليشيات الساحل غرب طرابلس، التي خصتها حكومات الإخوان بمهمة تصدير المهاجرين ومن بينهم إرهابيون إلى سواحل الدول الأوروبية تمهيدا لابتزازها لاحقا، والثالثة هي ميليشيات شرق طرابلس التي تتولى استخدام المهاجرين العائدين من الرحلات الفاشلة كخدم في المنازل وعمالة مقابل الأكل، ودروع بشرية في مراكز الاحتجاز للوقاية من ضربات الجيش الليبي.