شن رئيس التيار الوطني الحر في لبنان، جبران باسيل، هجوما ضاريا على حليفه حزب الله، شمل تهديدات بفك التحالف، وذهب إلى حد طرح أسئلة حول سلاح الحزب وتعطيل اجتماعات الحكومة.
وجرى النظر في لبنان إلى هذه التصريحات الصادرة عن باسيل بمثابة افتتاح رسمي للسباق الانتخابي، في مسعى من رئيس التيار الوطني الحر لتعزيز موقفه.
وقال باسيل، في مؤتمر صحفي "اخترنا تفاهم مار مخايل على الفتنة، واتفقنا على أن السلاح فقط لحماية لبنان"، مؤكدا أن "محاولات العزل والحصار لن تنتهي، ويجب أن نقتنع أن قوتنا من قوة بعضنا البعض، والوحدة الشيعية مهمة (حزب الله وحركة أمل)، ولكن ليس على حساب البلد".
وفي 6 فبراير 2006، وقع زعيم حزب الله حسن نصرالله، وزعيم التيار الوطني الحر (آنذاك) الرئيس الحالي ميشال عون، تفاهمًا في كنيسة مار مخايل ببيروت، للعمل معًا في معالجة قضايا مهمة أبرزها "بناء الدولة".
وتساءل "أين ترجم تفاهم مار مخايل في بناء الدولة؟ بتغطية الفساد والمسايرة وبشل صلاحيات رئيس الجمهورية وعهده؟ بضرب المجلس الدستوري؟".
خطوة للوراء
وأضاف "حاولنا تطوير وثيقة التفاهم في الغرف المغلقة، فنحن لا نريد إلغاءها، لكنها لم تعد تجيب عن تحدياتنا، ويجب أن تبقى المقاومة فوق الدولة وفي كنفها، نحن بحاجة لحوار جدي، ولن نربح أصواتًا انتخابية إضافية في حال فك التفاهم، ونحن نختار أن نربح أنفسنا وصدقيتنا على أن نخسر الحزب والوطن".
وفيما يعتبر خطوة للوراء، قال باسيل "دعمنا المقاومة ضد إسرائيل وتنظيم داعش، دعمناها سياسيا لا بالمال ولا بالسلاح ولا بالأرواح، وحصلنا منها على دعم سياسي لتثبيت الحقوق بالشراكة والتوازن الوطني".
وتابع "أولويتنا الدولة وإصلاحها، أما أولويتهم فالمقاومة والدفاع عنها، وقلنا إنه يمكننا الحفاظ على الاثنين لكن تبقى المقاومة تحت الدولة وفي كنفها وليس فوقها، ولا يمكن أن نخسر الدولة من أجل المقاومة، لكن نستطيع أن نربح الأمرين".
وعن العقوبات الأمريكية، أوضح باسيل "تقدمت بطلب لرفع العقوبات الظالمة عني، والاتهامات الكاذبة عن فساد مزعوم، وأن يثبتوا ذلك بالمستندات بحسب القانون الأمريكي؛ قانون حرية المعلومات".
السر في حركة أمل
وفي المنحى نفسه، شن باسيل هجومًا ضاريًا على رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله)، متهمًا إياه بالتحكم في قرار البرلمان، ومطالبًا بتطوير الدستور اللبناني وفق وثيقة الوفاق الوطني وبالتوافق.
وتابع "نريد التغيير الكبير بالحوار تلبيةً لدعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق له أن دعا إلى عقد طاولة حوار وطني".
ومضى قائلًا "نظامنا الأساسي معطل"، مضيفًا أن "الدولة المركزية تسلب رئيس الجمهورية صلاحياته بالقوة من قبل مجلس النواب والمجلس الدستوري، وتسلب بقية الطوائف حقها بالمداورة بوزارتي المالية والداخلية، وهذا الأمر لم نعد نريده".
عون يهاجم حزب الله
وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، إن بلاده بحاجة إلى "ست أو سبع سنوات" للخروج من الأزمة، وهو تقييم متشائم لا يفتح نافذة للأمل أمام بلد يتطلع بشدة إلى تطورات إيجابية منذ الانهيار الاقتصادي في 2019.
ودعا عون إلى ضرورة أن يجتمع مجلس الوزراء في أسرع وقت بعد أكثر من شهرين من تعطيل حليفه حزب الله لجلسات الحكومة، فيما بدا انتقادًا ضمنيًّا لموقف الحزب من دون أن يسميه.
ولم تجتمع الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي منذ 12 أكتوبر الماضي، من جراء رفض وزراء حزب الله وحليفته حركة أمل، عقد أي جلسة ما لم تكن مخصصة للبت في مصير المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار الذي يطالبان بعزله ويتهمانه بـ"التسييس".
واندلعت مظاهرات واسعة في لبنان منذ أكتوبر 2019؛ احتجاجًا على فساد الطبقة السياسية في البلاد، وتردي الأوضاع المعيشية، وتعالت الأصوات التي دفعت نحو إجراء انتخابات عامة مبكرة في البلاد، إلا أنها أخفقت في هذا المسعى.
مغازلة وليس هجومًا
يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فادي عاكوم، أن كلمة جبران باسيل تعد بمثابة افتتاح الموسم الرسمي للسباق الانتخابي بلبنان المقرر في منتصف مايو المقبل، ويبدو أنه يحاول كسب الوقت ببداية مبكرة جدا عبر سهام سياسية طالت الجميع دون استثناء.
وأضاف عاكوم، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه بالنسبة لانتقادات حزب الله قد يفهمها البعض بأنها محاولة انفصال أو قطيعة، ولكن بتمعن قراءة مضمون الكلمات نجد أنها مغازلة لحزب الله، وأن مشكلة التيار ليست معه بل مع حركة أمل، ويفتح الباب لتفاهمات جديدة مع حزب الله، حيث كرر أكثر من 3 مرات بأن اتفاق "مار مخايل" قائم، ولكن يحتاج بعض التعديلات.
وأوضح أن بعض التعديلات تتعلق بالتعاطي مع حركة أمل، ومع غريمه التقليدي سياسيًّا سليمان فرنجية، وقدم الطاعة أيضًا لحزب الله عبر الهجوم على سمير جعجع الذي وصفه بأنه حليف أميركا، مشيرًا إلى أن باسيل ظل يغازل حزب الله عبر تأمين غطاء مسيحي في الانتخابات للتحالف.
وتابع "خلال الانتخابات المقبلة، إذا فقد باسيل دعم حزب الله فسيخسر كثيرًا من كتلته النيابية، خصوصًا أن التحالف يملك أكبر كتلة نيابية بالانتخابات الماضية، وهو ما يعلمه باسيل جيدًا ويدفعه لتعزيز حظوظه ليس من أجل الانتخابات البرلمانية فقط، ولكن من أجل الرئاسة التي يصبو نحوها".