ربما كان يحلم العديد من المهاجرين الأكراد العراقيين، ممن غرقوا أواخر الشهر الماضي في بحر المانش، والذين أعيدت جثامينهم لعاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، الأحد، بالعودة بعد سنوات لزيارة ذويهم وأحبائهم وتفقد مرابع طفولتهم وصباهم، بعد أن خاضوا غمار المحيطات الهادرة سعيا للوصول إلى بريطانيا، وبدء حياة جديدة فيها.
لكن الرياح العاتية جرت عكس ما اشتهاه زورقهم المطاطي الصغير، الذي غرق في عرض المانش، كونه يحمل شأنه شأن بقية قوارب الموت التي تقل المهاجرين خلسة، أكثر من طاقته الاستيعابية.
ورغم اختلاف قصص هؤلاء المهاجرين الضحايا وخلفياتهم ودوافعهم لاختيار طريق الهجرة المميت هذا، إلا أن ما يكاد يجمع الكثيرين منهم هو كونهم من المواطنين العراقيين وتحديدا الأكراد، ما بات يطرح علامات استفهام في العراق وفي الإقليم الكردي العراقي ويثير نقاشا عاما حول ذلك.
خاصة وأنه ومنذ أسابيع ورحلات عودة اللاجئين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، تتواصل على دفعات لمطار أربيل الدولي في عاصمة إقليم كردستان العراق، وجلهم من سكان الإقليم.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والباحث العراقي، طارق جوهر، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية": "مع الأسف غالبية المهاجرين غير الشرعيين ممن يقعون ضحايا لجشع مافيات وشبكات التهريب حول العالم، هم من العراقيين وخاصة الأكراد منهم، فمثلا العالقون على مدى أشهر وفي هذا الشتاء القاسي، بين بيلاروسيا وبولندا الغالبية العظمى منهم هم من العراق، وكذلك الأمر مع ضحايا حادثة غرق قارب المانش المفجعة".
ويضيف: "نحن هنا لا نتحدث عن مجرد أرقام فقط، بل عن بشر وعن أسر بأكملها راحوا ضحية سوء وتردي الأوضاع الداخلية في العراق وفي إقليم كردستان، حيث استفحال الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتفشي الفساد والبطالة وانعدام فرص العمل والغلاء، مما يجعل الكثيرين من العراقيين يفقدون الأمل تماما في مستقبل آمن وكريم لهم في وطنهم، الأمر الذي يدفعهم نحو المجازفة بحيواتهم حتى في سبيل الخلاص والبحث عن حياة أفضل لهم ولأطفالهم خارج العراق".
وعن سبل الحل الكفيلة بوقف هذا النزيف الحاد، وكبح جماح موجات الهجرة العراقية المتزايدة، يقول الباحث العراقي: "على الحكومة الاتحادية في بغداد وكذلك على حكومة إقليم كردستان العراق، العمل الجاد على معالجة مسببات هذا الارتفاع المريع في عدد العراقيين المخاطرين بأنفسهم، من أجل الظفر بفرصة نيل حق اللجوء والاقامة في أحد البلدان الأوروبية، والمدخل الأول نحو ذلك هو تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، بما يسهم في تحقيق الانتعاش الاقتصادي تاليا والشروع في تطبيق حزمة إصلاحات شاملة وحقيقية، تضمن العدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف والمتوازن للثروة الوطنية، وتوفير فرص العمل وتحقيق الذات أمام العراقيين، سيما الشباب منهم من خريجي المعاهد والجامعات".
جدير بالذكر أنه قد أعيدت، جثامين 16 مهاجرا عراقيا قضوا مؤخرا بحادث غرق مركب في بحر المانش ، إلى كردستان العراق شمالي البلاد ليواروا الثرى.
وقضى 27 شخصا على الأقل في الحادث المأساوي، الذي وقع في 24 نوفمبر الماضي، ويعد الأكثر دموية في بحر المانش الذي يتدفق إليه المهاجرون في محاولة للوصول إلى أراضي المملكة المتحدة على متن قوارب غير آمنة.