في مؤشر مقلق حول تردي البنية التحتية لقطاع التعليم بالعراق، كشفت وزارة التربية في البلاد، مؤخرا، أن عدد المدارس الطينية في عموم البلاد وصل إلى نحو مئتين.
وتتحدث الأرقام الرسمية في العراق عن الحاجة إلى بناء 8 آلاف مدرسة، خلال السنوات الخمس القادمة، مشيرة إلى أن ما يعرف بالدوام الدراسي الثلاثي يكثر في القرى والأرياف.
والمقصود بالدوام الثلاثي، هو سريان ثلاثة أنواع من الدوام في مدرسة واحدة، ويكون ذلك في الصباح والظهر والمسائي، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الساعات التي يدرسها التلميذ في الحالة الطبيعية.
ويبدأ الدوام الصباحي عادة في هذه المدارس، على الساعة الساعة 8 صباحا ويستمر حتى 11 صباحاً، ثم ينطلق دوام الظهر الذي يمتد حتى الساعة 3 ظهرا.
أما الدوام الثالث فينتهي مساءً بحلول الساعة 6 مساءً، وسط تنبيه من خبراء التربية إلى تأثيرات سلبية كبرى لهذا النمط على تحصيل الطلاب.
وجاء التنبيه إلى المدراس الطينية، خلال تصريحات لوكيل وزارة التربية، فلاح القيسي، الذي أكد أن هناك مدارس في العاصمة العراقية بغداد، يقوم مديروها بالتدريس بسبب نقص الكوادر التعليمية.
نقص مهول
وكشف المسؤول أن العراق بحاجة إلى 10 آلاف بناية مدرسية لسد النقص في هذا المجال، وأنه وفق معدل بناء المدارس، تحتاج البلاد إلى 15 سنة لإكمال النقص في الأبنية المدرسية.
وينبه مراقبون وخبراء تربويون عراقيون إلى تعدد وتفاقم مظاهر أزمة قطاع التعليم في العراق، من قبيل نقص كوادر التدريس، وتفشي ظواهر التسرب بين الطلاب والعنف المدرسي، إضافة إلى الدوام الثنائي والثلاثي بفعل قلة عدد المدارس، وهي أمور تستدعي معالجات عاجلة لأن التدهور التعليمي بات واقعا.
وللوقوف على أبعاد هذه الأزمة التي تهدد المستقبل الدراسي لأجيال من العراقيين، وتطال بتداعياتها السلبية مختلف القطاعات المهنية والانتاجية، يقول الباحث العراقي، علي البيدر، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، "منذ العام 1980 بدأت مع الأسف مرحلة الانهيار التعليمي في بلاد الرافدين، مع دخول العراق في الحرب مع إيران ومن ثم حرب الخليج الثانية وحرب العام 2003، والصراعات الداخلية المتواصلة بعدها على مدى عقد ونصف العقد".
واستطرد الباحث "كل ذلك قاد لتراجع اهتمام مؤسسات الدولة عامة بالتعليم وتراجع أولويته، فالعراق بات يسخر جل ميزانيته للحروب وللتسليح والترسانات، وهذا انعكس بالتالي سلبا على واقع التعليم وآفاق تطوره، فالمعلم العراقي مثلا راتبه متدن، وتبعا لذلك، فتفاعله في المدرسة ليس في المستوى المطلوب، وعلى صعيد المناهج الدراسية التربوية هناك تسييس مخل لها وطغيان ايديولوجي واضح عليها، لمصلحة جهات نافذة ومهيمنة على العراق".
ويتابع البيدر شرح الواقع التعليمي المزري في العراق، بالقول "ليس من اختصاص وزارة التربية بناء المدارس، بل إن اختصاصها يتمثل أساسا في وضع السياسات التربوية والتعليمية، لأن تأمين العدد الكافي من المدارس وسد النقص الحاد فيها،من مسؤولية الدولة ككل، وهي منشغلة للأسف بالملفات الأمنية والسياسية، على حساب ملفات التنمية والتعليم والطبابة وغيرها، من ملفات حيوية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر".
التهاء بالحرب
ويضيف الباحث أن الالتهاء بالحروب الداخلية والخارجية، وعدم إيلاء الاهتمام المطلوب والكافي للتعليم من قبل الدولة العراقية أدى على مدى عقود إلة تراجع الاقبال أو التفاعل الاجتماعي مع فكرة التعليم خاصة،"خاصة أننا نرى نسب البطالة المرتفعة في العراق، بسبب الأزمات المركبة العاصفة بالبلاد".
وتابع "الناس هنا يتساءلون مثلا لماذا نتعلم؟ طالما أنه ليس ثمة مستقبل مهني ولا وظيفي للمتخرجين، وبالتالي يتم الاقبال على تعلم حرف مهنية لا تحتاج لدراسة لأن فرصها في سوق العمل أوفر حظا، من فرص حملة الشهادات والدارسين".
ويوضح البيدر أن "هناك ما يقارب 8 ملايين مواطن أمي في العراق حسب الموشرات والتقارير الدولية، وهذا رقم كارثي بكافة المقاييس، ويعني أن ثمة بيئات اجتماعية عراقية تنفر من التعليم وتتوجس منه، وهذا بلا ريب أكبر خطر يتهدد مستقبل العراق والعراقيين".