كشفت دراسة حديثة النقاب عن أن التنظيمات الإرهابية في تونس تمكنت من استقطاب قاعدة شبابية مهمة من الطلبة، بعد الثورة التي عرفتها البلاد في عام 2011، مع صعود الإخوان للحكم، وخاصة خلال عامي 2014 و2015.
وبحسب هذه الدراسة، التي أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب، وتم تقديم نتائجها خلال مؤتمر صحفي عقد، الأربعاء، بتونس العاصمة، فإن التنظيمات الإرهابية استطاعت استقطاب تلك الفئة من المدارس والمعاهد والجامعات والكليات.
وأوضحت أن عدد الطلاب والتلاميذ الذين تورطوا في قضايا إرهابية ارتفع من 154 شخصا عام 2014 إلى 241 شخصا في العام 2015.
تغلغل الإرهاب
وقال رضا الرداوي، نائب رئيس المركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب، إن الدراسة شملت عينة تتكون من 560 تلميذا وطالبا (48 من الإناث و512 من الذكور) تتعلق بهم قضايا إرهابية، وقد استندت إلى الأحكام القضائية الصادرة خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2020.
وأوضح أن 130 تلميذا انخرطوا في الإرهاب في سنة 2015 مقابل 75 في سنة 2014 و110 طلاب في سنة 2015، مقابل 84 طالبا في سنة 2014.
واستأثرت الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة خاصة خلال عامي 2014 و2015، بتركيبة قاعدة المنخرطين في التنظيمات الإرهابية بتونس.
واعتبر الرداوي أن الأرقام التي تشير إلى انخراط الطلبة والتلاميذ في التنظيمات الإرهابية "تدل على تغلغل الإرهاب في المؤسسة التربوية والجامعية"، لافتا في الوقت نفسه إلى ما وصفه بـ"غياب سياسات واضحة في الرصد المبكر والمتابعة وانهيار منظومة الإحاطة الاجتماعية والنفسية داخل الجامعات والمدارس".
وأضاف أن العنصر النسائي بدأ منذ عام 2013 في تونس "بالتأثير على المشهد والحضور بعد أن كان دوره في السابق يرتكز على المساعدة اللوجستية، حيث تم تسجيل مشاركة بعض النساء في العمليات الانتحارية، وقيادة التنظيمات، والتسفير نحو بؤر التوتر بما يعرف بجهاد النكاح في تنظيم داعش الذي ظهر في يونيو 2014".
الفكر الإرهابي
من جهته، قال منير حسين، عضو الهيئة التنفيذية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال المؤتمر الصحفي، إن "للمنظومة التربوية دورا في دفع التلاميذ والطلبة إلى تبني الفكر الإرهابي نتيجة هشاشة التكوين والممارسات التعليمية التي تتسم بغياب الجانب النقدي، الأمر الذي جعل من التلاميذ والطلبة فريسة للتنظيمات الإرهابية".
وأضاف أن "السياسات المتبعة منذ الثورة والعفو التشريعي العام ساهما بدرجة كبيرة في نشر الفكر المتطرف"، معتبرا في الوقت ذاته أن هناك عوامل أخرى تعد من أسباب الانخراط في الشبكات الإرهابية منها الفقر والهشاشة الاجتماعية.
ودعا لتغيير جذري في سياسة مقاومة الإرهاب، وذلك عبر إرساء استراتيجية فكرية وتربوية وأمنية، مطالبًا السلطات بأن "تأخذ بعين الاعتبار أن الفكر الإرهابي متربص بالبلاد وبشبابنا؛ لذا وجب إدماج كل الأطراف المتداخلة وتكثيف الحوار المجتمعي لتحصين شبابنا من الفكر المتطرف".
وشهدت تونس منذ عام 2011 وحتى عام 2017 موجة من العمليات الإرهابية الخطيرة، تخللتها عمليات اغتيال سياسي ذهب ضحيتها المعارضان اليساريان شكري بلعيد في السادس من فبراير من العام 2013، ومحمد البراهمي في 25 يوليو من نفس العام.
وتقول السلطات الأمنية التونسية إن العشرات من الإرهابيين الموالين لتنظيمات إرهابية منها (كتيبة عقبة بن نافع) الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و(كتيبة أجناد الخلافة) الموالية لتنظيم داعش ما زالوا يتحصنون في جبال محافظات القصرين والكاف بغرب البلاد غير بعيد عن الحدود الجزائرية.
وقد نفذت تلك التنظيمات العديد من العمليات الإرهابية أودت بحياة العشرات من الأمنيين والعسكريين والسياح الأجانب في أماكن متفرقة من التراب التونسي.
وتواصل تونس مكافحتها وتجفيفها لمنابع تمويل الإرهاب الذي تفشى في البلاد منذ 2011، بعد صعود الفكر المتطرف والإخوان للحكم، بقرارات استثنائية لرئيس البلاد قيس سعيد منذ 25 يوليو الماضي وحتى اليوم.
تجنيد الشباب
الكاتب الصحفي التونسي أيمن بن عمر قال: "إن كل متابع للشأن التونسي يعرف أن حركة النهضة على علاقة وثيقة بالإرهاب من عدة نواحٍ، فهي كانت مساهمة في نشأة السلفية الجهادية، وخاصة جماعة أنصار الشريعة التي تفرعت منها جماعات مقاتلة ككتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب، وكتيبة جند الخلافة المبايع لتنظيم داعش الإرهابي".
وأضاف الكاتب المختص في الشؤون السياسية لموقع "سكاي نيوز عربية" أن حركة النهضة عندما تسلمت مقاليد الحكم حاولت استقطاب السلفية الجهادية بالمال وبالخطاب المتطرف؛ لاستغلالهم ضد خصومها السياسيين، وفي تلك الفترة انتشرت الخيام الدعوية التي تبث خطاب الكراهية العنيف.
وتابع: "تحولت هذه الخيمات إلى استقطاب الشباب لتجنيده للحرب في سوريا؛ خدمة لأجندات إقليمية بتعاون مع الإخوان في ليبيا وتركيا عبر حشد الإرهابيين من دول الربيع العربي وإرسالهم لسوريا".
ترهيب الخصوم
وأوضح أن "النهضة هي من قامت بتجنيد الشباب التونسي وتحويلهم لإرهابيين في إطار مخطط إخواني يهدف إلى تحويل الشباب العربي إلى مليشيا إخوانية، والنهضة كانت توفر دعما ماليا وقانونيا ولوجستيا لجماعة أنصار الشريعة الإرهابية، حتى إن شيوخ التكفير الإخوانيين جاءوا لتونس بترحيب من حركة النهضة".
وأشار إلى أن "حركة النهضة حاولت استخدام السلفية الجهادية كخزان انتخابي وكمليشيا تقوم بمهام قذرة؛ مثل ترهيب وتهديد الخصوم السياسيين للنهضة، حيث كان هناك تهديدات بتصفية خصومها من اليسار والنقابيين والتقدميين".
ومضى قائلا: "ومقابل هذا، كانت النهضة توفر المال والدعم للجماعات السلفية كي تسيطر على المساجد، ورأينا كيف أن قيادات إخوانية كانت حاضرة في المؤتمرات العسكرية للسلفية الجهادية، وأن عددا من منخرطي النهضة كانوا ضالعين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في قضايا إرهابية، وعندما كان الإخوان في الحكم حظي الإرهابيون بالتغطية على جرائمهم".
وعلى مدار السنوات الماضية، أجهض الإخوان مساعي عديدة للتعامل مع ملف تسفير الشباب، وتسببت ممارسات الحركة الإخوانية في عرقلة عمل لجنة تحقيق برلمانية مخصصة لكشف شبكات التسفير، وتم إجبار رئيستها على الانسحاب من موقعها، بعد أن كشفت خيوط هذه الشبكات وعلاقتها بالنهضة.