انطلقت المسيرات الاحتجاجية التي كانت مقررة في السودان، الأحد، قبل موعدها بأكثر من 15 ساعة، حيث خرج الآلاف في مختلف أحياء الخرطوم لاستقبال أبناء الأقاليم الذين وصلوا مساء السبت، قاطعين مسافات طويلة بالأرجل والدراجات الهوائية للمشاركة في الحدث.
وشهدت معظم مناطق الخرطوم مسيرات ليلية حاشدة، السبت، وسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاق لعدد من الطرق والجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاثة، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، لمنع وصول المحتجين إلى منطقة القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وفي ظل جمود سياسي ناجم عن تمسك الشارع بمواقفه المطالبة بإبعاد الجيش عن المشهد السياسي، وتعثر جهود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الرامية لتشكيل حكومة تكنوقراط وفقا للاتفاق الموقع بينه وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 21 نوفمبر، تستجيب قطاعات عريضة من الشارع السوداني لدعوات التظاهر المتواصلة التي يطلقها تجمع المهنيين ولجان المقاومة، منددين باتفاق حمدوك والبرهان ومطالبين بمحاسبة من تسببوا في مقتل المئات من الشباب الذين سقطوا برصاص قوات الأمن منذ إطاحة نظام عمر البشير في أبريل 2019.
ويأتي هذا فيما تشدد أطراف دولية على ضرورة إنهاء الإجراءات التي اتخذها الجيش في 25 أكتوبر، عندما أطاح المكون المدني في الحكومة الانتقالية، التي اعتبرت خطوات هدفت لقطع الطريق أمام عملية التحول الديمقراطي في البلاد.
والجمعة عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة عن الأوضاع في السودان، رهن خلالها عدد من مندوبي الدول الأعضاء عودة المساعدات والتعاون مع السودان برؤية إجراءات تؤكد عودة المسار الديمقراطي إلى الطريق الصحيح.
وأكد مندوبو المملكة المتحدة والنرويج وأيرلندا أن الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش "قوضت الانتقال الديمقراطي في السودان"، فيما اعتبرها مندوبا السودان وروسيا ضرورية.
وحث فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان (يونيتامس) في تقرير من 18 صفحة قدمه للمجلس، السلطات السودانية على اتخاذ تدابير لبناء الثقة وإحياء الانتقال الديمقراطي، كما دعا المجتمع الدولي إلى استئناف مساعداته الاقتصادية في مجالات معينة مثل الصحة.
وعبر المتداولون في جلسة مجلس الأمن عن قلقهم البالغ حيال استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في أعقاب إجراءات 25 أكتوبر، مطالبين بالتحقيق في عمليات القتل التي طالت نحو 43 متظاهرا خلال مسيرات احتجاجية تلت تلك الإجراءات.
وكانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي أقرت، الخميس، مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات على المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في السودان، ودانت بإجماع الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين ما اعتبرته "انقلابا" على السلطة المدنية.
وفي حال تمريره في وقت لاحق من قبل مجلس الشيوخ، سيصبح القانون الجديد ملزما لإدارة الرئيس جو بايدن، وسيشمل عقوبات فردية تطال عددا من القادة العسكريين.
ويؤكد مراقبون وجود 3 عقبات كبيرة تعيق جهود حمدوك لتشكيل حكومة جديدة، حيث قال الكاتب شمس الدين ضو البيت لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "غياب الحاضنة السياسية وتمسك بعض الكيانات الموقعة على اتفاق السلام السوداني بحقائبها الوزارية، إضافة إلى عدم وضوح الرؤية حول بعض الوزارات كالدفاع والداخلية، عوامل تشكل عائقا كبيرا أمام توجهات حمدوك الرامية لتشكيل حكومة تكنوقراط".
وأوضح ضو البيت أن "الأوضاع التي سادت عقب 25 أكتوبر تثير الشكوك حول قانونية أو دستورية أي خطوة قد يتخذها حمدوك أو غيره".
وفي إشارة إلى حالة الجمود السياسي التي يعيشها السودان حاليا، طالب سفراء الاتحاد الأوربي في الخرطوم خلال اجتماعهم مع حمدوك، الثلاثاء، بالعودة الفورية إلى النظام الدستوري، المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019 بين المدنيين والعسكريين في السودان.
وفي ظل الجدل الدائر حول الوضع الدستوري الحالي في البلاد، أشار سفراء الاتحاد الأوربي في بيان إلى أن التدخل العسكري في 25 أكتوبر "أدى بشكل فعال إلى إخراج تحالف المدنيين والجيش عن مساره".
وتعبيرا عن حالة الجمود تلك، أعلن رئيس الوزراء السوداني تعثر الاتفاق الموقع مع البرهان، وجميع المبادرات التي طرحها خلال الفترة الأخيرة، بفعل "التمترس وراء المواقف والرؤى المتباينة للقوى المختلفة".
ومنذ إعلان البرهان في 25 أكتوبر حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء، يشهد السودان اضطرابات سياسية وحركة احتجاجات كبيرة أدت إلى مقتل 45 متظاهرا.
وبعد توقيعه على إعلان سياسي مع البرهان في 21 نوفمبر، تعرض حمدوك لضغوط كبيرة من الشارع السوداني، حيث اعتبر كثيرون أنه خرج عن المسار الديمقراطي المرسوم منذ أكثر من عامين.