مع اقتراب موعد المفاوضات الدولية حول سوريا وفق محادثات أستانة يومي 21 و22 ديسمبر الجاري، حملت نتائج زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، تقاربا في وجهات النظر مع مسؤولي الحكومة السورية.
وتأتي تلك الزيارة في ظل تطورات سياسية وعسكرية تشهدها المدن السورية، ومؤشرات بشأن عودة العلاقات السورية على المستويين العربي والدولي، عقب عزلة دامت لأكثر من 10 سنوات.
وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم خارجية كازاخستان، أيبك صمادياروف، عقد مفاوضات أستانة الـ17 بمشاركة جميع الأطراف، بمن فيهم الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا، إضافة للدول التي تتمتع بصفة مراقب، نهاية شهر ديسمبر الجاري؛ لمناقشة الأوضاع الإنسانية في سوريا وإمكانية استئناف عمل اللجنة الدستورية في جنيف.
الانفتاح على دمشق
عقب انتهاء المباحثات في دمشق، أبدى بيدرسون تطلعه للحصول على أخبار جديدة في المستقبل القريب فيما يتعلق باللجنة الدستورية، مشيرا إلى إمكانية طرح مقاربة جديدة تمنح العملية السياسية في سوريا دفعة قوية، خاصة بعد محادثاته المتتالية مع دول عربية وأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، حيث لاحظ اتجاه تلك الدول للانفتاح على دمشق من جديد.
من جانبه، شدد فيصل المقداد، وزير الخارجية السوري، خلال حديثه مع بيدرسون، على أهمية تجنب أي تدخل خارجي في عمل اللجنة، وأن يصبح الحوار سوريا-سوريا؛ بهدف الوصول لحل يحقق تطلعات السوريين وليس لإرضاء أجندات دولية معادية لبلاده.
وفي مطلع الشهر الجاري، عقدت الولايات المتحدة اجتماعا ضم ممثلين من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي لمناقشة الأزمة السورية، وأكد المشاركون دعمهم لوحدة سوريا، وتنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، متعهدين بمساندة المبعوث الأممي في إحراز تقدم نحو حل سياسي وإشراك الجميع في اللجنة الدستورية.
نقطة تحول
عقب زيارة بيدرسون الأخيرة إلى دمشق، سبتمبر الماضي، اتجه إلى تركيا لعقد مباحثات مع الائتلاف السوري حول الموقف من اللجنة الدستورية، كما التقى مع هيئة التفاوض السورية لدفع العملية السياسية، علاوة على لقاءاته مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وشدد المبعوث الدولي على أهمية تقارب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن، لاسيما بعد انتهاء الجولة الأخيرة من مباحثات اللجنة الدستورية دون إحراز أي تقدم بشأن المبادئ الدستورية الأربعة، مشيرًا إلى استمرار المباحثات مع تركيا وإيران وروسيا أيضًا.
وعن دور اللقاء الأخير بين بيدرسون والمقداد، يرى غسان يوسف، المحلل السياسي السوري، أن تلك المباحثات ستؤثر حتما بشكل إيجابي على الجولة الـ7 من صياغة الدستور السوري، خاصة أن الجولة الـ6 كان بها تشنجات سياسية بين جميع الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية، ولم تحظَ الجولة برضى من جانب المبعوث الأممي، ووصفها بالمخيبة للآمال؛ لافتقاد الجميع لغة التفاهم.
ويوضح يوسف في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن اللقاء يحمل مؤشرا آخر إيجابيا يتعلق بتفهم بيدرسون لموقف دمشق من اللجنة الدستورية، وما هي طبيعة النقاط التوافقية والخلافية مع باقي الأطراف المشكّلة للجنة، ما يسهل حلحلة الأمور بشأن الدستور السوري تحديدًا، والأزمة السورية بشكل عام.
أما عن طبيعة القضايا التي تضمنتها زيارة بيدرسون لسوريا، فتشير إلى طرح دمشق موقفها الجاد من إمكانية التوافق مع الطرف الآخر، وتأكيد بيدرسون على تفهم الأطراف الدولية والإقليمية لموقف النظام السوري، وتقليل الدول المعادية لسوريا حدَّتها في التعامل مع دمشق.
وحدة وسيادة سوريا
ويشدد يوسف على رفض الحكومة السورية لتشكيل دستور طائفي، مؤكدا أن الموقف السوري واضح من شكل الدستور بأن يكون دستورا جامعا لكل السوريين، يحافظ على وحدة وسيادة البلاد.
وانتهت جولة اللجنة الدستورية، أكتوبر الماضي، بخلافات جديدة بين وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وتبادلت الوفود الاتهامات بتقديم طروحات تنفصل عن الواقع وأي لغة للتوافق.
ويتوقع غسان يوسف أن المباحثات حول الدستور تسير بشكل أفضل، وتحمل نتائج تسهم في اختراق الملف المعطل منذ عام 2019، حيث انطلقت محادثات الدستور برعاية أممية؛ نظرا لنجاح لقاءات بيدرسون على المستوى العربي والإقليمي، واقتناع واشنطن والأمم المتحدة بأنه لا يمكن التغريد بعيدا عن دمشق وموسكو؛ لذا عقدت مباحثات معهما، واستمعت للمطالب.
ويشير يوسف إلى أن الانفتاح العربي والدولي على سوريا أصبح الآن معلنا عبر تلميح بيدرسون إلى تغير اللهجة الأوروبية والأميركية تجاه دمشق، علاوة على الترحيب العربي الذي لمسه في مباحثاته مع المسؤولين العرب مؤخرًا.
وفي سبتمبر الماضي، اتسمت مباحثات مبعوثي الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن، والأميركي جو بايدن، حول الملفات السياسية والعسكرية في سوريا وخطوات اللجنة الدستورية المقبلة، بالجدية، بعد أيام قليلة من رفع واشنطن عقوبات موقعة على شركات تابعة لرجال أعمال مقربين من الحكومة السورية.
وتشهد العلاقات السورية-العربية في الآونة الأخيرة نقلة نوعية جديدة بعد جمود استمر لأكثر من 10 سنوات، وسط توقعات بعودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر العام المقبل.