كشف تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية وهو مؤسسة حكومية مغربية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن أرقام جديدة تهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشباب المغربي لا سيما بعد الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا.

الوثيقة كشفت أنه على الرغم من أن الشباب المغاربة يهتمون بفكرة تكوين أسرة، إلا أنه على مستوى الأرقام تم رصد عزوفهم عن الزواج، إذ انتقلت النسبة من 42 بالمئة عام 2011 إلى 70 في المئة عام 2019.

وبحسب الوثيقة ذاتها، يظهر أن الشباب هم الأكثر تعرضا للأزمة الحالية، موردة أن فئة الشباب "إحدى الفئات الاجتماعية في المغرب التي تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية".

الهشاشة و"ارتفاع التكاليف"

في تعليقه على هذه الأرقام، قال الأستاذ حسن رقيق، رئيس لجنة الوساطة الأسرية لدى المركز المغربي للوساطة والتحكيم، إن ظاهرة العزوف عن الزواج اتخذت منحى تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بين سنة 2011 و2019، ولا يزال التصاعد مطّردا إلى يومنا هذا

واعتبر حسن رقيق في تصريح أدلى به لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هذا المنحى هو تلقائي ونتيجة لعددة أسباب، أولها الهشاشة التي تعاني منها شريحة عريضة من المجتمع.

إلى جانب ذلك، ذكر الخبير التكاليف التي لها علاقة بالزواج، بما في ذلك تكاليف المهر والعرس، وهي غالبا ما تكون جد مرتفعة وتشكل عقبة أمام عدد من الشباب.

رقيق أورد أيضا أن عددا من الأزواج يفتحون باب الاقتراض ما إن يدخلوا الحياة الزوجية، وما يترتب عن ذلك من تداعيات قد تُدخل الأسرة في نفق مظلم يوصلها إلى الطلاق

كما أرجع حسن رقيق، وهو أيضا عضو اتحاد كتاب المغرب ومحاضر ومدرب في الوساطة والإرشاد الأسري، (أرجع) عدم إقدام الشباب على الزواج إلى تمثلات ترسخت في الأذهان من خلال تجارب الوالدين أو الأقارب والأصدقاء لزيجات لم تكن ناجحة، ما جعل فكرة البحث عن شريك حياة، مهمة مستحيلة بالنسبة للكثيرين، ومغامرة يكتنفها التوجس والخوف من المستقبل.

رقيق تابع تحليله الذي خص به "سكاي نيوز عربية" مردفا أن عددا من المطلقين والمطلقات يتوجسون أكثر من غيرهم من تكرار التجربة ودخول علاقة زوجية جديدة، لا سيما إذا كانت الزيجة الأولى مؤلمة وأثقلت كاهلهم عاطفيا أو حتى ماديا، وقد ينتج عن تجربة فاشلة هشاشة نفسية وضعف تقدير ذاتي.

الخبير حذر أيضا من تسرع بعض الشباب في اتخاذ قرار عقد القران في غياب للمقاربة الاستباقية، التي تتمثل في الإعداد الجيد للزواج، ويشمل ذلك التحضير النفسي والعاطفي، والمادي وإدارة الميزانية، لأن الشباب يحتاجون إلى تأطير وإرشاد من أجل حسن تدبير الحياة الزوجية، لكي لا يصطدموا بالواقع.

ارتفاع سقف الطموحات

من جانبها، اعتبرت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي والمساواة، أن ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج هو أمر "عاد"، لأن هؤلاء الشباب إذا أرادوا تكوين أسرة مستقرة ومنسجمة وداغئة وبدون عنف، يجب أولا أن يكون لديهم دخل قار، لأن الاستقلال الاقتصادي مهم جدا في تأسيس العلاقة الزوجية.

واسترسلت عبدو في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، قائلة: "يجب الانتباه إلى أن سقف طموحات الشباب قد تغير بالمقارنة مع الماضي. فجيل اليوم يبحث عن تحسين ظروفه، عن طريق التحصيل العلمي وحيازة شهادات عليا تخول له رفع دخله وتغيير ظروف عيشه إلى الأفضل. والأمر لا يقتصر هنا على الذكور فقط، بل حتى الشابات أصبحن يبحثن على الرفاهية وتحقيق الذات قبل خوض غمار الحياة الزوجية".

أخبار ذات صلة

نجم المغرب الجديد تألق في هجوم برشلونة.. من هو الزلزولي؟
المغرب.. اشتراط سن الثلاثين للعمل في التدريس يثير غضبا وجدلا

بشرى عبدو استطردت قائلة: "أنا لا أتحدث عن زواج الفاتحة أو زواج القاصرات، بل أقصد الشباب المتعلم الذي حصل على شهادات وله دخل قار، فهذه العينة هي من أصبحت تتأخر في الزواج أو في أحيان كثيرة تتوجس منه".

الناشطة الجمعوية لفتت أيضا إلى أسباب أخرى للعزوف عن الزواج، ذكرت من بينها ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، معتبرة أن هذه العوامل تعرقل بدورها خوض الشباب تجربة الزواج، بحيث تشكل عائقا أمامهم.

عودة التكافل وتأهيل الشباب

لا شك أن تأخر سن الزواج أصبح ظاهرة بارزة في السنوات الأخيرة تقض مضجع فئة واسعة من الشباب، لا سيما الإناث، وهو ما يعززه تقرير "السكان والتنمية" لسنة 2019، الذي يكشف أن حوالي 35 في المئة من المغربيات، أي أكثر من الثلث، عازبات.

من أجل الحد من ظاهرة عزوف الشباب على الزواج أو الإسهام في التخفيف منها، قال الأستاذ حسن رقيق، ينبغي "الاهتمام بالمقاربة الاجتماعية، وإشاعة القيمة التي اضمحلت وتكاد تنقرض ألا وهي التكافل الأسري والعائلي. كما وجب توجيه الشباب وإعطائه نظرة واقعية عن الزواج، حتى لا يسقط في فخ المثالية التي تسوقها المسلسلات التلفزية والمؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي، فالزواج هو قبل كل شيء تكامل وتعايش وتضحية".

رئيس لجنة الوساطة الأسرية لدى المركز المغربي للوساطة والتحكيم، دعا في سياق حديثه إلى تأهيل المقبلين على الزواج ومأسسة مراكز الإرشاد الأسري والوساطة الأسرية التي تتدخل خلال النزاع من أجل تسوية الخلاف بين الزوجين بطريقة ناجعة.