اقترب العام من إسدال ستاره، واقتربت معه ليبيا من المحطة الأكثر أهمية في تاريخها الحديث، وهي أول انتخابات رئاسية.
ويأمل الليبيون بأن يتوج الاستحقاق الانتخابي عاما كاملا من الزخم الدولي الذي يدفع نحو إنهاء عقد من الفوضى في البلاد.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية الليبية في 24 ديسمبر الجاري، لكن هناك تحديات كثيرة تعترض هذه الانتخابات.
وشهد الملف الليبي خلال العام الجاري تطورا لافتا نحو إنهاء حالة الانقسام ودوامة العنف التي ضربت البلاد، وهددت حدود أوروبا البحرية، كما شهد كثيرا من التوافقات الدولية الرامية لإخراج ليبيا من أزمتها.
التسلسل الزمني
وكانت بداية الأحداث السياسية البارزة في ليبيا في فبراير الماضي، حيث انتخب منتدى الحوار السياسي الليبي يختار عبد الحميد الدبيبة رئيسا للحكومة الليبية المؤقتة، ومحمد المنفي رئيسا لمجلس رئاسي مؤلَّف من 3 رجال عبر عملية تصويت، مع تفويضهم بالتحضير للانتخابات.
وفي مارس، عقد مجلس النواب جلسة موحدة للمرة الأولى منذ سنوات للتصديق على حكومة الدبيبة، وتسليم الحكومتين السابقتين سلطاتهما سلميا.
أما أبريل فقد شهد رفض مجلس النواب خطة الميزانية التي قدمها الدبيبة بصفته رئيس الحكومة المؤقتة.
وقررت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) المنبثقة من اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار في يوليو الماضي إعادة فتح الطريق الساحلي الرئيسي لكن المرتزقة ظلوا في أماكنهم.
وفي سبتمبر الماضي، وقّع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على تشريع لإجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر، والمجلس الأعلى للدولة يرفض القانون بزعم تمريره دون الخضوع للإجراءات الملائمة، في الشهر ذاته قام مجلس النواب بسحب الثقة من حكومة الدبيبة، لكنه سمح لها بمواصلة تسيير الأعمال.
وفي أكتوبر، وافق مجلس النواب على قانون ثانٍ للانتخابات البرلمانية.
وبدأت مفوضية الانتخابات الليبية في نوفمبر تسجيل أوراق المرشحين، وأعلنت أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ستجرى في 24 ديسمبر، على أن تلحقها جولة الإعادة والانتخابات البرلمانية في غضون 52 يوما من ذلك الموعد.
ومع اقتراب عقد الانتخابات، حذرت قوى دولية من احتمال عرقلة الاستحقاق الانتخابي، وسط حالة من الانسداد في المشهد السياسي ودعوات للتوافق من أجل إنجاح الانتخابات، والالتزام بخريطة الطريق التي تحظى بدعم دولي.
تحديات إجراء الانتخابات
ومع قرب انتهاء العام، من المقرر أن تسدل ليبيا الستار على المحطة الأولى في خريطة الطريق، وهي إجراء الانتخابات الشهر الجاري.
ويخيم شبح التأجيل نتيجة أسباب عدة لعل من أبرزها محاولات تنظيم الإخوان، الذي نشط عبر أذرعه في الآونة الأخيرة بالتحريض العلني وتحريم الانتخابات، مما أدى إلى اقتحام المفوضية العليا للانتخابات في العاصمة طرابلس.
وامتد الأمر إلى قيام تنظيم الإخوان بالسطو المسلح على عدد من المراكز الانتخابية الواقعة تحت سيطرة الميليشيات، كما تم تهديد القضاء والتلويح بالعنف حال الاعتراض على نتائج الانتخابات.
في السياق ذاته، يقول الباحث السياسي الليبي والمتخصص في إدارة الأزمات، سالم أخريص، إن الفترة الماضية شهدت الكثير من المحاولات الإخوانية لعرقلة العملية الانتخابية.
وأكد أن التنظيم يكرر في سعيه هذا الانقلاب المسلح الذي نفذه في 2014 فيما سُمي بمعركة "فجر ليبيا"، حين احتشدت ميليشيات الإخوان ومليشيات أخرى لرفض فشل التنظيم في الانتخابات البرلمانية ذلك العام، بعدما أسقطهم الشعب الليبي الذي رفض انتخاب معظم مرشحيهم.
ويعد المرتزقة من أبرز العقبات أمام الاستحقاق الانتخابي الليبي، حيث تسعى اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) إلى عقد لقاءات خارجية متعددة، شملت خلال الأيام الماضية روسيا وتركيا؛ من أجل بحث الملف الشائك.
في هذا الإطار، أعرب الاتحاد الإفريقي، الشهر الماضي، عن استعداده للتنسيق والتعاون من أجل إخراج جميع المقاتلين الذين يتبعون دوله من الأراضي الليبية، وضمان استقبالهم في بلدانهم.
وتعليقا على ذللك، أكد الخبير الاستراتيجي الليبي، محمد الهلاوي، أنه سيتم التوافق على خطة خروج المقاتلين الأجانب من البلاد تدريجيًّا، ولكن بـ"شكل كامل" دون استثناء.
وأثنى الهلاوي على ما حققته اللجنة حتى الآن فيما يتعلق بفتح الطريق الساحلي، والتفاهم حول ملف انسحاب المرتزقة.
الميليشيات المسلحة
أما الأمر الثالث الذي يهدد العملية الانتخابية في ليبيا هو الميليشيات المسلحة، حيث هدد عناصرها في الغرب الليبي، باستخدام العنف ومنع العملية الانتخابية.
ويقول الكاتب والباحث السياسي الليبي عز الدين عقيل إن الأمن هو التحدي الأكبر أمام ليبيا، وليس فقط الاستحقاق الانتخابي، حيث تعاني البلاد من الفوضى الأمنية، بخلاف سيطرة الميليشيات المسلحة على الأرض منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وتحاول ليبيا تجاوز أزمة سياسية كبيرة مستمرة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حيث دخلت البلاد في موجة من الصراع المسلح والفوضى، ويأمل الشعب في إجراء الاستحقاق الانتخابي الأول في تاريخه، لبناء مؤسسات الدولة والدفع نحو الاستقرار.
ويراهن الشعب الليبي على إتمام الاستحقاق الانتخابي؛ من أجل ضمان دعم المجتمع الدولي لخارطة الطريق.
في السياق ذاته، طالب عبدالعزيز عقيلة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سرت، بضرورة العمل على تهيئة المناخ اللازم خلال الأيام المقبلة من جانب المجتمع الدولي، عبر تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية وتبني خطة بجدول زمني، وهي مرحلة ما بعد النتائج من أجل بناء مؤسسات الدولة بشكل سريع، ومن ثم الاستقرار والوصول إلى التعافي الاقتصادي.
ويراهن الاقتصاد الليبي على سلك طريق التعافي عقب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر الجاري.
المربع صفر
"المربع صفر" هو السيناريو الأكثر خطورة في الأزمة الليبية، ويقول العقيد الليبي محمد فرج عثمان، إن الفرصة الوحيدة لإنقاذ ليبيا هي نجاح عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حتى يتمكن الليبيون من بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها مرة أخرى.
وأوضح المحلل العسكري الليبي أن العودة للمربع الأول أكبر خطر الآن، وهو ما ترفضه القوى الدولية، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة.
ويعقد الليبيون آمالًا كبيرة على هذه الانتخابات في إعادة الاستقرار إلى بلادهم بعد أكثر من عقد من الاضطرابات، لكن البعض يخشى من حدوث انتكاسة ما تُعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر.