يومًا تلو الآخر، يزداد المشهد السياسي الليبي تعقيدًا حول الخطوة المقبلة للبلاد التي عانت من الصراع المسلح والفوضى على مدار 10 سنوات، حيث أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تأجيل نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، قبل أسبوعين من موعد الاستحقاق الحاسم.
ولم تحدد المفوضية موعدًا جديدًا لنشر القائمة، وهي الخطوة الأخيرة قبل انطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاق المقرر إجراؤه في 24 ديسمبر الجاري، لكن المفوضية قالت في بيان، إنه "لا يزال يتعين عليها أن تتبنى بعض الإجراءات القضائية وأخرى قانونية".
الحكومة وخريطة الطريق
بيان المفوضية جاء في ظل مساعي بعض القوى لتعطيل الانتخابات، فمنذ أيام طالب أعضاء بملتقى الحوار السياسي الليبي الأممَ المتحدة والدول الراعية لمؤتمر برلين، بـ"التدخل لتصحيح مسار العملية السياسية التي تسير في اتجاه عودة الانقسام والتفكك" إلى البلاد، وإنقاذ خريطة الطريق التي توشك على الانهيار.
جاء ذلك في بيان وجَّهه 17 عضوًا بملتقى الحوار السياسي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كما وجَّهوا انتقادًا إلى رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة لتجاوزه خريطةَ الطريق، التي أقرها الملتقى فيما يتعلق بمهام الحكومة كجهة راعية ومحايدة وضامنة للعملية الانتخابية، وتجاوزه كذلك للتعهدات الضامنة لحياد هذه السلطة.
في سياق المشهد السياسي، قال الإعلامي الليبي فرج سالم الكريمي: "الحكومة الليبية المؤقتة دارت حولها الشبهات منذ اليوم الأول، وذلك اتضح جليًّا للجميع في ظل زيادة نفوذ رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة".
وأوضح الكريمي، خلال حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه رغم تعهدات الحكومة المؤقتة بالالتزام بتوحيد المؤسسات ومعالجة الأزمات الرئيسية في البلاد مثل جائحة كورونا والكهرباء، وعدم ترشح الدبيبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ضرب بكل ذلك عرض الحائط.
واتهم الكريمي الحكومةَ المؤقتة باستغلال موارد الدولة ومؤسساتها لخدمة مرشح بعينه، واستغلال رئيس الحكومة للمنصب، بحسب قوله.
في السياق ذاته، قالت الناشطة الحقوقية حورية بومامه، إن الحكومة الليبية الحالية دورها تسيير الأعمال، وليس تسخير المؤسسات لخدمة شخصيات بعينها أو لأهداف معينة، بعيدًا عن المصلحة الوطنية.
وتابعت بومامه، خلال حديثها لـ"سكاي نيوز عربية": "الحكومة الحالية تنصاع للأوامر الخارجية ومصالح دول بعينها بدون مصلحة الشعب. كما تعمل على عرقلة الاستحقاق الانتخابي".
وأكدت الناشطة الحقوقية الليبية أن الشعب بالكامل يريد إجراء الاستحقاق الانتخابي؛ لأنه المخرج الوحيد للأزمات التي تعانيها البلاد من انقسام وفوضى وتدخلات خارجية وإرهاب.
ماذا بعد؟
غموض في المشهد السياسي وسط ضغوط دولية ومطالب شعبية بالاستحقاق الانتخابي، وهنا قال الباحث السياسي الليبي محمد الهلاوي إنه "حال إرجاء الانتخابات فعلى الحكومة المؤقتة تقديم استقالتها فورًا.. فهي جزء من المشكلة الحالية".
وأوضح الهلاوي، خلال تصريحاته لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الحكومة الحالية على رأس المستفيدين من تأجيل الانتخابات؛ لأن ذلك يعني مكوثها وسيطرتها على مقدرات وخيرات الدولة لأطول وقت ممكن.
وأكد الباحث السياسي الليبي أن إرجاء الانتخابات لن يجنب البلاد الصراع، بل سيُعيد البلاد للمربع الأول حالَ تمسك الدبيبة بالحكومة وعدم الاستقالة إذا تم تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 من الشهر الجاري.
وأضاف الهلاوي أن الحكومة المؤقتة عملت على الوقيعة بين مؤسسات الدولة من أجل عرقلة الانتخابات، وهذا ما يظهر حاليًّا من قرار المفوضية تأجيل نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، مما يؤكد أن الخلافات القانونية بين المعسكرات المتنافسة والتوترات على الأرض تهدد مستقبل البلاد بالكامل.
وتحاول ليبيا تجاوز أزمة سياسية كبيرة مستمرة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حيث دخلت البلاد في موجة من الصراع المسلح والفوضى، ويأمل الشعب في إجراء الاستحقاق الانتخابي الأول في تاريخه، لبناء مؤسسات الدولة والدفع نحو الاستقرار.