أعلنت فرنسا، الجمعة، قرب رفع السرية عن أرشيف "التحقيقات القضائية" لحرب الجزائر (1954-1962)، وذلك قبل 15 عاما من انقضاء المهلة القانونية لهذه الخطوة، فيما تتعالى أصوات تنادي بمعالجة هذا الملف على نحو نهائي عوض إبقائه في حالة من المد والجزر.
وقالت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو لمحطة "بي إف إم تي في"، الجمعة "أفتتح قبل 15 عاما (من المهلة القانونية) أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة حول حرب الجزائر".
وجاءت هذه التصريحات بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، للجزائر العاصمة.
وقالت الوزيرة "لدينا أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر، ولا يمكن إعادة بنائها إلا وفقا للحقيقة".
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد اعترف في 13 سبتمبر 2018 بأن اختفاء عالم الرياضيات والناشط الشيوعي موريس أودان في 1957 في العاصمة الجزائرية كان من فعل الجيش الفرنسي، ووعد عائلته بإمكانية الوصول إلى الأرشيف.
وأعلن الرئيس الفرنسي في التاسع من مارس 2021 في إطار سياسة "الخطوات الصغيرة" التي يتبعها، عن تبسيط الوصول إلى إجراءات رفع السرية عن الوثائق السرية التي يزيد عمرها على 50 عاما، مما يجعل من الممكن تقصير فترات الانتظار المرتبطة بهذا الإجراء.
"ذاكرة تصالحية"
وقالت الخبيرة في الشؤون الدولية، آنا غوديتشيلي، إن حرب الجزائر من الحواجز التي تقف بمثابة عقبة أمام تطور العلاقات بين الجزائر وباريس، وهذا ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى تكليف المؤرخ، بنجامان ستورا، حتى يبحث في الأوجه التاريخية لهذه العلاقة، وكي يقدم توصياته بشأن ما ينبغي فعله.
وأضافت غوديتشيلي، في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، أن فرنسا قامت بهذه الخطوة حتى يكون ثمة إرساء للذاكرة على نحو تصالحي بين البلدين "وذلك على قاعدة الأفعال التاريخية، وليس الأقوال فحسب".
وحين سئلت الباحثة حول سبب تدرج فرنسا في الكشف عن هذه الأمور التاريخية عوض حسم الملف، أوضحت أن هناك اليوم خطوة بشأن أرشيف الحرب، لأنه في حال جرى فتح الجزء الأكثر حساسية من الماضي "ربما يكون ذلك سابقا لأوانه".
مكاسب سياسية
من ناحيته، يرى أستاذ العلوم السياسية، توفيق بوقعدة، أن باريس تحاول إحراز مكاسب سياسية من خلال التعامل مع قضايا الأرشيف الجزائري في فرنسا.
وأشار، في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد ربح أوراق إضافية في إطار الاستعداد لانتخابات الرئاسة المقبلة "بعدما خسر رهانه على اليمين المتطرف وقرر العودة إلى قاعدة اليسار والوسط".
ويضيف أن ماكرون يسعى جاهدا أيضا، إلى استمالة أصوات الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية، من خلال هذه الخطوات التي توصف بالتصالحية تجاه الجزائر.
واتهم الباحث الجزائري فرنسا بالتعامل مع الأرشيف عن طريق "التلاعب بالمصطلحات" و"التضليل"، قائلا إن ماكرون، وعد في وقت سابق برفع السرية عن جزء من الأرشيف الفرنسي "في حين أن رفع السرية لا يعني تمكين الباحثين من الوصول إليه، وهناك أوراق يجري سحبها".
ورجح الباحث أن يكون إحجام فرنسا عن معالجة هذا الملف جملة وتفصيلا عوض التدرج، ناجما بالأساس عن الخشية من تلطيخ صورة الدولة الأوروبية، عند "افتضاح" ما قامت به من انتهاكات خلال استعمار الجزائر.