مع مرور الذكرى الرابعة لإعلان العراق الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي بعد 3 سنوات من الحرب وسيطرته على نحو ثلثي مساحة المدن العراقية، شددت العناصر المتبقية من التنظيم وتيرة هجماتها على العسكريين والمدنيين في مناطق مختلفة مستغلا الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة بالعراق.
وتثير تحركات داعش في العراق تساؤلات حول إمكانية عودته من جديد وحجم خطورته، وكيف أصبح شكل التنظيم واستراتيجيته بعد نحو 48 شهرا من الهزيمة؟
واتفق خبيران متخصصان في قضايا الإرهاب الدولي، خلال حديثهما لموقع "سكاي نيوز عربية"، على اتباع داعش تكتيك جديد يتناسب مع الظروف الحالية التي يعيشها التنظيم بعد خسارته للمساحة الجغرافية وبعض قادة التنظيم ومصادر التمويل والسلاح.
وطوال الأشهر الماضية يسعى داعش للظهور مجددا، وأعلنت عناصره السيطرة على قرية لهيبان بقضاء الدبس في كركوك شمالي العراقي، الأحد الماضي، قبل أن تستردها قوات البيشمركة والقوات العراقية بعد نحو ساعات من الهجوم.
وعلى مدار الأيام الماضية نشطت حركة الخلايا النائمة للتنظيم في نقاط التماس بين بغداد وأربيل، وتسببت في مقتل 23 مدنيا وعسكريا من قوات البيشمركة في هجوم على قضاء مخمور الواقع بين جنوب شرقي الموصل وجنوب غربي أربيل.
ولم يكن هذا الهجوم هو الأول الذي يستهدف شمال العراق مؤخرا، حيث شن داعش، مطلع الشهر الجاري، هجوما آخرا على نقطة أمنية وقتل نحو 5 من قوات البيشمركة وجرح 4 آخرين.
وفي مطلع العام الجاري، نفذ داعش أول هجوم بعد الهزيمة باستهداف العاصمة العراقية بغداد بهجومين مزدوجين في سوق بساحة الطيران وسط العاصمة ما أدى لسقوط 32 شخصا على الأقل.
وتمكنت القوات العراقية في 10 ديسمبر 2017 بمساندة التحالف الدولي من محاصرة داعش على الحدود العراقية – السورية شمال الفرات من منطقة الرمانة وحتى تل صفوك، والسيطرة على منفذ الوليد إلى منفذ ربيعة بعد تحرير مناطق بمحافظات نينوى والأنبار آخر معاقل التنظيم.
وأعلنت الحكومة العراقية وقتها، هزيمة داعش وانتهاء الحرب بالسيطرة بشكل كامل على الحدود العراقية – السورية وطرد عناصره خارج المدن العراقية.
حرب عصابات
ومنذ منتصف العام الجاري، حذر مراقبون من عودة داعش تدريجيا لمعاقله القديمة في العراق، خاصة بعد رصد محاولات مسلحي التنظيم مهاجمة نقاط أمنية واغتيال قادة محليين لإعادة صفوفه بشكل أقوى وكسب عناصر جديدة.
وكما رصدت الاستخبارات العراقية ظهور علني غير معتاد لأكثر من 50 عنصرا تابعا للتنظيم، سبتمبر الماضي، ما بين كركوك وديالي ونينوى شمالي العراق.
ويوضح الخبير الأمني والعسكري، اللواء الركن المتقاعد عماد علو، أن التنظيم مازال يصعد من وتيرة عملياته التعريضية على النقاط الواهنة مستغلا الغفلة الأمنية وانخفاض مستوى تدريب القوات في محافظات ديالي وصلاح الدين وجنوب غرب كركوك، إضافة إلى تحركات جنوب غربي الموصل وامتداد الحدود العراقية – السورية حيث تقدر أعداد بقايا داعش في الدولتين نحو 10 آلاف مسلح.
ويشرح علو تكتيك داعش في تنفيذ الهجمات عن طريق عمليات القنص ليلا عبر مسافات بعيدة، ومهاجمة ونصب كمائن للقوات الاحتياطية التي يتم الدفع بها لإسناد النقاط الأمنية المستهدفة، مشيرا إلى اتباع داعش " حرب العصابات" بهجوم ما بين 3 إلى 5 مسلحين بدراجات نارية أو عجلات مفخخة ثم الانسحاب والتملص مرة أخرى، مستغلين التضاريس الجغرافية الصعبة والغطاء النباتي في مناطق تواجدهم خاصة وأن التنظيم يفتقد القدرة على تصنيع الأسلحة ويعتمد على الأسلحة الخفيفة فقط.
هل يعود مجددا؟
عن إمكانية احتلال التنظيم لمدن عراقية مرة أخرى، تقول بسمة فايد، الباحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن الهجوم الأخير على قوات البيشمركة ومحاولة السيطرة على قرية لهيبان بكركوك لا تعني عودة داعش لاحتلال مساحات جغرافية جديدة بالعراق، نظرا لأن التنظيم ذات إمكانيات محدودة بعد تكثيف القوات العراقية والتحالف الدولي العمليات العسكرية ضده.
وتوضح فايد أنه منذ هزيمة داعش في 2017 وحتى عام 2021 تعيش عناصره بحياة تشبه حياة "الرحالة" لتحركهم باستمرار بين الجبال والوديان بحثا عن المأوى والموارد والمناطق النائية لتنفيذ هجماتهم وقطع الطريق للحصول على إتاوات.
وعن المساحة الجغرافية التي يتواجد فيها التنظيم، تشير فايد إلى أن أعداد مقاتلي التنظيم بالعراق تتراوح ما بين 2500- 3000 عنصرا ويتوزعون في مناطق جبال حمرين، والمناطق المحصورة بين كركوك والموصل، ومنحدرات جبال قره جوخ بالقرب من بلديتي كوير مخمور شرق محافظة نينوى، وصحراء الأنبار، ووادي الشاي، وشرق سامراء.
ولا يمتلك داعش أسلحة ثقيلة ويعتمد على رشاشات كلاشنكوف في أغلب هجماته، حيث كشفت الجهات الأمنية استخدامه أسلحة متوسطة في هجوم شنه شرق العراق أكتوبر الماضي، بحسب تصريحات فايد.
إنهاك وتجنيد
"الاستنزاف المجهد واستفزاز القوات" بهذه العبارة يصف الخبير الأمني عماد علو استراتيجية داعش الحالية ضد القوات العراقية والبيشمركة، بتنفيذ هجمات متواصلة في اتجاهات وأوقات مختلفة بغرض إرباك القوات واستثمار الهجمات على الصعيد الإعلامي لتجنيد عناصر وخلق حواضن جديدة لذا يسعى للحفاظ على العمليات التراكمية على خط التماس بين الحدود العراقية – السورية.
وتتفق الباحثة بسمة فايد مع الرأي السابق، وتشير إلى أن سنوات الهزيمة وفقدان مصادر التمويل والتسلح والعناصر البشرية، أجبرت داعش على تغير خططه من العمليات الواسعة والهجمات السيبرانية عالية المستوى والتمويل إلى استراتيجية " الكر والفر" باستهداف القرى النائية ومقرات حكومية ونقاط عسكرية حتى يصعب على أجهزة الأمن تتبعهم.
وفي يونيو 2014 أتخذ داعش الموصل مقرا لخلافته المزعومة بعد أن سيطر على مدينة الفلوجة في مطلع العام نفسه، وتدريجيا توسع التنظيم الإرهابي في سنجار وتكريت والرمادي وصلاح الدين وكركوك، قبل أن تشن القوات العراقية حملة " قادمون يا نينوى" في أكتوبر 2016 لتحرير الموصل من قبضة التنظيم.