لا يزال الانقسام سيد الموقف الحالي بين القوى السياسية في الداخل العراقي رغم مرور نحو شهرين من إجراء الانتخابات البرلمانية، مما أدى إلى تأجيل عملية المصادقة على النتائج من قبل المحكمة الاتحادية وتأخير إجراءات تشكيل الحكومة.
انتخابات برلمانية لا تزال نتائجها مُعلقة، حيث يرى مراقبون أن عملية الموافقة على أسماء الفائزين بالانتخابات تأخرت كثيرا مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة، نتيجة كثرة الخلافات بين القوى السياسية.
حكومة وطنية
تتبلور الأزمة الحالية في تمسك التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر المتصدر للانتخابات بـ74 مقعدا بموقفه من تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بينما تستمر مطالب "الإطار التنسيقي الشيعي" الخاسر لهذه الدورة بإلغاء نتائج الانتخابات، زاعما أنها تمت في ظل مخالفات قانونية.
في سياق حالة الشد والجذب بين القوي السياسية، أكد مقتدى الصدر وممثلة بعثة الأمم المتحدة بالعراق جنين بلاسخارت، أمس، على أهمية المصادقة على نتائج الانتخابات دون تأخير.
وأشادت بلاسخارت بدور إدارة المفوضية العليا للانتخابات في إدارة الاستحقاق الانتخابي، مؤكدة أن المساعدة التي قدمتها الأمم المتحدة كانت تتعلق بالأمور الفنية وبناء على طلب الحكومة والقوى السياسية العراقية المختلفة.
وجاءت تصريحات الصدر وبلاسخارت بعد يوم من إعلان المحكمة الاتحادية العليا تأجيل النظر في الدعوى المقدمة من زعيم تحالف الفتح هادي العامري بإلغاء نتائج الانتخابات التي حصل فيها على 17 مقعدا فقط من أصل 329 مقعدا مجموع مقاعد مجلس النواب.
واتفقا خبيران عراقيان في تصريحات لموقع " سكاي نيوز عربية" على أن المشهد السياسي الراهن يحمل دلالات خفض حدة التصعيد بين التيارين الخاسر والفائز رغم استمرار الحرب الكلامية بينهما.
مساندة دولية ومحلية
يؤكد أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية، فاضل البدراني، أن الخلاف بين "التيار والإطار" يتعلق بخلافات قديمة بين الجبهتين الشيعيتين بالعراق.
ويشير البدراني، خلال حديثه، إلى أن القضاء العراقي لا يمكنه الاختلاف مع الاعتراف والتأييد الدولي لنتائج الانتخابات من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن من جانب، ومع الدعم المحلي من الجهات العراقية مثل المفوضية والرئاسة والقوى الفائزة والتيارات المستقلة من جانب آخر، لاسيما وأن الطعون المقدمة غير مؤثرة في النتيجة.
في السياق، أكد الباحث السياسي العراقي، نبيل جبار العلي، أن الطعون التي تقدم بها العامري حول الانتخابات والمفوضية لم تثر حفيظة الأطراف الأخرى باعتبار أنها ضمن المسار الدستوري والقانوني، ما ترتب عليه قبول المحكمة الاتحادية العليا للدعوى المقامة وحددت لها موعدا يوم 13 ديسمبر الجاري كموعد أولي للنظر في الطعون.
ويرجح الباحث السياسي العراقي لجوء المحكمة لأصول المرافعات القضائية، مما يؤدي لتأخير حسم القضية ما يزيد عن شهر، متوقعا تعطل مسار العملية السياسية لفترة تتجاوز عدة أشهر من المصادقة على نتائج الانتخابات ثم عقد جلسة البرلمان وانتخاب الرئاسات وتكليف الحكومة.
لقاء مشترك وخط أحمر
وفي إطار محاولة تقريب وجهات النظر، اجتمع التيار الصدري والإطار التنسيقي، الخميس الماضي، في الاجتماع الأول من نوعه منذ عدة أشهر.
وخلال اللقاء، أكد الصدر تمسكه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية ومحاربة الفساد والفاسدين في جميع الحكومات، مشددا على قادة الإطار التنسيقي تسليم سلاح الفصائل التابعة للحشد الشعبي في حال الدخول في الحكومة المقبلة، وأن السلم الأهلي خط أحمر للجميع.
بينما أوضح بيان الإطار التنسيقي، أن استقبال زعيم التيار الصدري في منزل هادي العامري لتعزيز روابط الوحدة بين أبناء الشعب العراقي، مؤكدا على استمرار الحوار لتوصل إلى حل للانسداد الحالي في المشهد السياسي، والتوافق حول حماية الحشد الشعبي وتعزيز دوره في حفظ الأمن العراقي وإبعاد التنافس السياسي عن المشاريع الخدمية.
ويوضح نبيل جبار العلي أن ملامح الصراع السياسي الشيعي – الشيعي على نتائج الانتخابات بدأت بالانخفاض تدريجيا منذ الأسبوع الماضي، خاصة بعد اللقاء الأول الذي جمع بين الأطراف الشيعية المتخاصمة.
سيناريوهات محتملة
عن ملامح المشاورات المتوقعة بين الفائزين والخاسرين، يرى البدراني أنه مهما طالت المناقشات يتوافق التيار والإطار على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها كل القوى الحزبية وتظل الأفضلية والأغلبية في توزيع الوزارات لصالح الفائز بعدد أكبر في مقاعد البرلمان.
بينما يجد العلي تباينا في مواقف الأطراف المتصارعة حول شكل الحكومة المقبلة، حيث يتمسك الصدر بحكومة أغلبية وطنية بشراكة مع السنة والكرد، واستبعاد شركاء الماضي من الأطراف الشيعية المتمثلة في الإطار التنسيقي الذي يدعو لحكومة توافق بإشراك التيار الصدري والسنة والأكراد على غرار الحكومات المشكلة بعد عام 2003.
ومن المتوقع إجراء جولة مباحثات أخرى بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي في النجف، خلال الأيام المقبلة، حول شكل الحكومة والقوى السياسية المشاركة فيها.