تستفحل أزمة شح المياه في العراق على نحو مقلق، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتوالي موجات الجفاف، حتى صار التصحر يزحف على 40 في المئة من مساحة البلاد.
وأدى توالي مواسم الجفاف إلى تقلص الأراضي الصالحة للاستثمار الزراعي في العراق، نظرا لزيادة ملوحتها، وهو أمر يشكل خطرا محدقا بالأمن الغذائي.
ووفق برنامج البيئة التابع لمنظمة الأمم المتحدة، يأتي ترتيب العراق في المرتبة الخامسة لأكثر دول العالم تأثرا بظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحراري في العالم.
وفي ظل النقص الحاد لمياه الشرب الصالحة والري، يؤدي التوظيف العشوائي وغير المبرمج للمياه الجوفية، إلى مشكلة مستدامة أخرى لا تقل خطورة.
وينذر هذا الاستخدام غير المعقلن، باستنزاف مصادر المياه الجوفية العراقية الشحيحة أصلا وفق الخبراء البيئيين، وهو ما يشكل خطرا داهما على مستقبل الأمن المائي للأجيال العراقية القادمة، وليس لسكان العراق الحاليين فقط .
مؤشرات مقلقة
في تعليقه على خطورة ظاهرة الاستغلال الخاطئ للمياه الجوفية في العراق، يقول الدكتور رمضان حمزة، وهو مدير مركز دراسات الطاقة والمياه، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، "ثمة خطورة كبيرة عندما يحصل استنزاف المياه الجوفية في العراق، من جراء جفاف الأنهار وتدنى تصاريفها المائية وتلوثها".
وأضاف الخبير أن خسارة احتياطي المياه الجوفية وتدني كمياتها ونوعيتها يعد المؤشر الأخطر في تقريب العراق من خط الفقر المائي، حيث بدأت السنة المائية الهيدرولوجية 2021 -2022 بداية شهر أكتوبر الماضي.
وأورد أن مؤشرات الجفاف مستمرة في العراق، والبيانات الخاصة بواردات نهر "سيروان" في ديالى خلال 90 عاما الماضية من 1931-2021، أظهرت تسجيل أدنى ايراد مائي هذا العام 2021".
وعزا هذا الأمر إلى سببين رئيسيين؛ أولهما إنشاء سدود وخزانات مائية على مجرى النهر من قبل الجارة إيران، والثاني بسبب الجفاف وقلة هطول الأمطار، فيما كان أعلى إیراد مائی لنهر دیالى قد سجل عام 1969.
ويسهب الأكاديمي العراقي في شرح أبعاد الأزمة المائية في بلاد ما بين النهرين، قائلا "تغير المناخ، وتسارع الدورة الهيدرولوجية، يؤديان لتغييرات وطفرات كبيرة في الظواهر المناخية المتطرفة، بما في ذلك زيادة وتيرة الجفاف وشدته ومدته".
وأضاف أن ذلك يكون مصحوبا بتفاقم ندرة المياه وانهيار الأمن المائي والغذائي، وحرائق الغابات والأحراش وغيرها من المخاطر البيئية والمهددة للحياة، وأهمها تأثيرها المباشر على انخفاض وهبوط مناسيب المياه الجوفية.
وأردف أن ملاحظة الأمر صعبة، إلا من خلال المتابعة المستمرة لقياس تصاريف ومناسيب الآبار المائية والعيون والينابيع، من أجل الوقوف على حجم وكمية المياه الجوفية التي تقل باستمرار بسبب مواسم الجفاف وقلة هطول الأمطار والثلوج لتغذية مكامن المياه الجوفية".
أولوية الاستدامة
ويشير حمزة إلى دور الاستخراج غير العقلاني للمياه الجوفية، حيث تشكل المياه الجوفية أكثر من 97 في المئة من المياه العذبة المتوفرة على الأرض، ولهذا يجب أن يكون الاستخدام المستدام لهذا المورد الحيوي أولوية قصوى، "لأن هذا المورد غير مرئي لمعظم الناس وخاصة غير المختصين".
وتابع أن "التعامل مع المياه الجوفية يحتاج إلى تعزيز الوعي بشأن حماية المياه الجوفية من خلال الإجراءات العاجلة، لأن المياه الجوفية ضرورية لبقاء كوكبنا ولحفظ توازنه الطبيعي، ويحتاج إلى الإدارة المستدامة لاستخراج المياه الجوفية من خلال المراقبة والتنظيم وإعداد التقارير بشأن الخزين الجوفي باستمرار".
وشدد على ضرورة حماية المياه الجوفية، من خلال تقوية المؤسسات المسؤولة عن إدارة المياه الجوفية، "لا سيما أننا نواجه تغيرات المناخ ومواسم الجفاف وقلة الهطول المطري وبدلا من اللجوء لحفر الآبار المائية، علينا تدويل الملف المائي مع تجاوزات دول الجوار العراقي، وضمان حقوق العراق المائية في الأنهار الدولية".