يشارك علماء مغاربة من جامعتي "محمد الخامس" بالرباط و"محمد الأول" بمدينة وجدة، شرقي المملكة، في مشروع إنجاز أكبر تلسكوب بحري في العالم.
ويعد المغرب البلد العربي والإفريقي الوحيد الذي يشارك في هذا المشروع إلى جانب عدد من دول أوروبية من بينها إسبانيا وفرنسا واليونان وإيطاليا.
سيتم إنشاء التلسكوب في البحر الأبيض المتوسط، بغرض مراقبة الكون ودراسة الظواهر الطاقية المتواجدة بالفضاء للخارجي للكرة الأرضية، كما يرمي المشروع إلى رصد انتشار الوحدات البصرية في الكون.
تلسكوب على مساحة كيلومتر مكعب
يوضح عبد الإله موسى، أستاذ باحث بكلية العلوم بجامعة محمد الأول بوجدة، أن هذا المشروع الطموح، عبارة عن بنية بحثية متعددة التخصصات، تتمثل في إنشاء عدد من التلسكوبات على مساحة تقدر بكيلومتر مكعب، تتألف من ستة آلاف وحدة بصرية، كل واحدة منها تتوفر على مستشعرات ضوء بالغة الحساسية، بالإضافة إلى أجهزة جد متطورة لتحديد مكان وزمان الوحدات البصرية التي يتم التقاطها.
وتابع الخبير في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذا الجهاز "سيمكننا من فتح نافذة جديدة على الكون، عبر استشعار الضوء الخافت جدا عندما لدى صدوره عن الجزيئات الجوية والكونية، وذلك من أجل دراسة خصائص هذه الجزيئات عبر تذبذباتها لقياس التسلسل الكتلي الهرمي، والأهم من ذلك رصد مصادر هذه الجزيئات عالية الطاقة، وهو ما سيتيح الإجابة على أسئلة عالقة إلى حدود اليوم.
الدكتور موسى استرسل ضمن تصريحه بأن ما يقض مضجع العلماء حاليا هو فهم المادة المظلمة أو شعاع الكون أي ما يظهر على شكل فراغ في الفضاء.
ورأى المشروع قيد الإنشاء في أعماق البحر الأبيض المتوسط، النور أول مرة على جدول أعمال منتدى الاستراتيجية الأوروبية للبنى التحتية البحثية عام 2006، وهو ما مكن من إنجاز المرحلة الأولى من المشروع التي تهم الدراسات الهندسية وتجميع النماذج الأولية وتشغيلها، وأصبح رسميا عام 2009 واحدا من المشاريع ذات الأولوية بأوروبا.
وأكد عبد الإله موسى لموقع "سكاي نيوز عربية" أن المساهمة الفعلية للخبراء المغاربة من دكاترة وطلبة باحثين بدأت منذ سنة 2011.
اجتماعات موسمية وأشغال مستمرة
من أجل رصد الخطوات التي تم إنجازها وتحليل مكامن الخلل والمشاكل التي يلاقيها المشروع الضخم، يجتمع العلماء دوريا في إحدى الدول المشاركة، فكل ثلاثة أشهر يجلس الخبراء حول مائدة النقاش للتأكد من خلو المشروع من عيوب ودراسة الخطوات المقبلة.
في هذا الصدد، أشار موسى الذي يشرف على عدد من الطلبة الباحثين في مشروع التلسكوب، إلى أن المغرب يساهم بشكل فعال في هذا التحالف العلمي الفريد من نوعه، وهو البلد العربي والإفريقي الوحيد في لائحة الدول المشاركة في هذا الصرح العلمي.
المتحدث ذكر أن التلسكوب ما زال قيد البناء، وتم تزويده حتى الآن ببعض الوحدات ليكون جاهزا في نهاية 2025، لافتا بأن الجائحة أدت إلى بعض التأخير في تسلم المعدات وهو ما أثر بشكل طفيف على المشروع خلال السنتين الماضيتين.
نقل الخبرات
إذا كان فهم الكون وحيثيات نشأته هو الهدف الأساس من هذا التلسكوب الكبير، فإن الخبراء المغاربة يريدون أن تكون لهم بصمتهم في نشأته.
في هذا السياق، قال عبد الإله موسى، إن مساهمة المغرب في مشروع علمي من هذا الحجم ستمكنه من الاستفادة من خبرات الدول الأوروبية في مجال البحث العلمي المتعلق بالفضاء والكون.
ووفق حديث موسى لـ"سكاي نيوز عربية"، فإن مشاركة المغرب في هذا المشروع متميزة ومتنوعة، حيث يساهم الخبراء المغاربة في تصنيع التلسكوب، من خلال إحداث وحدة وطنية بكلية العلوم بالرباط متخصصة في تصنيع الوحدات البصرية الرقمية للتلسكوب، كما أنشئت وحدة وطنية بكلية العلوم بوجدة لتكون مختصة في تصنيع الموجهات الكهروبصرية للتلسكوب.
وتابع المتحدث بن الطلبة الباحثين في مجال الفيزياء والمجالات العلمية الأخرى سيستفيدون لا محالة من هذه التجربة، وهو ما سيشكل قفزة كبيرة في مستوى البحوث التي ستجرى مستقبلا في هذا المجال.