بعد شهور من الهدوء، عاد الرُعب إلى الصحراء السورية، حيث نفذ تنظيم داعش الإرهابي كمينا استهدف به قوات الحكومة السورية، وأودى بحياة 13 عسكريا سوريا وجرح آخرين، الأمر الذي يُعيد للأذهان إمكانية عودة التنظيم لشن هجمات مُكثفة طوال شهور الشتاء في مختلف مناطق الصحراء السورية، التي تُغطي قرابة 60 بالمئة من مساحة سوريا.
الكمين الأخير وقع في منطقة "بادية المُسرب"، في الجنوب الغربي لمدينة دير الزور، والتي تُشكل مركزا للمثلث الصحراوي الذي ما يزال يشن فيه داعش هجمات متفرقة، ولم تتمكن كُل حملات التمشيط التي قادتها القوات الحكومية من القضاء أو تفكيك شبكات الإمداد التي يستخدمها التنظيم الإرهابي.
الهجوم الأخير، حسب مراقبين، أثبت قُدرات عسكرية وتخطيطية عالية المستوى ما يزال التنظيم يمتلكها في تلك المنطقة، والضحايا يُضافون إلى 1593 مقاتلاً للحكومة السورية، إلى جانب قرابة 150 مقاتلاً من التنظيمات المُسلحة المُقربة منها، الذين سقطوا خلال هجمات التي شنها التنظيم منذ شهر مارس 2019، مقابل خسارة التنظيم لقرابة ألف مقاتل، حسب إحصائيات نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان.
إلى جانب قلة الإمكانيات العسكرية والعددية التي ترصدها قوات الحكومة السورية لتلك المنطقة، الخالية من السُكان تقريباً، فإن طبيعة التضاريس الجغرافية في تلك المنطقة يساعد التنظيم على تغطية نفسه عبر التمويه والاختباء وشن هجمات سريعة على نقاط وحافلات قوات الحكومة السورية العابرة في تلك المناطق.
المنطقة الصحراوية تضم سهولاً مُمتدة لآلاف الكيلومترات، وتتخللها تلال ومناطق جبلية شديدة الوعورة، إلى جانب أهمية تواصلها مع الصحاري العراقية.
الباحث والخبير الأمني ناصر شيخموس شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، العوامل التي تُساعد تنظيم داعش على الحفاظ على نفسه في تلك المنطقة الصحراوية، وقال: "السبب الرئيسي لبقاء تنظيم داعش في المنطقة الصحراوية السورية يعود لعدم تنفيذ القوات السورية وداعميها الروس لعملية تمشيط واستهداف استراتيجية طويلة الأمد فيها، لعدم الأهمية السياسية والاقتصادية لهذه المنطقة مع باقي المناطق السورية".
وأضاف: "صحيح أنه ثمة غرفة عمليات مُشتركة للفرقتين 25 و30 من الجيش السوري، إلى جانب قوات من الحرس الجمهوري والفيلق الخامس المُقرب من روسيا، ومعهم مقاتلون من فيلق القدس، حيث أن أعداد هؤلاء المقاتلين يزيد عن 50 ألف مقاتل، لكنهم لا يعملون على توجه استراتيجي واضح لتمشيط تلك المنطقة، مثلما كانت تعمل في منطقة إدلب ودرعا وغيرها من المناطق، وهو أمر قد يحدث في مرحلة لاحقة، بعد تكرس التوازن وتوقف باقي الجبهات السورية".
المعلومات الاستخباراتية التي تم كشفها طوال الشهور الماضية، قالت إن تنظيم داعش سعى خلال العامين الأخيرين من نشاطه 2017-2019 على تأسيس مواقعه في الصحراء السورية، بالذات من حيث إخفاء كميات كبيرة من السلاح والمال اللازم لتغطية أعماله لسنوات، لأن التنظيم كان متأكداً من هزيمته في معارك المُدن وخروج المناطق الحضرية من تحت سيطرته.
فوق ذلك، فإن تنظيم داعش يستفيد من الخلاف السياسي والعسكري الواسع بين مختلف الجهات العسكرية السورية، سواء قوات الحكومة السورية أو تنظيمات المعارضة أو قوات سوريا الديمقراطية، التي تحيط بالصحراء السورية من مختلف الجهات، لكنها لا تتبادل المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لديها حول شبكات وآلية عمل التنظيم، خصوصاً وأن كُل منها تملك أعداد غير قليلة من مقاتلي التنظيم، بمن فيهم قياداته، الذين أدلوا باعترافات تفصيلية حول تحركات المقاتلين في تلك المناطق.