تحت شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية"، دعت لجان المقاومة الشعبية بالعاصمة الخرطوم للمشاركة والحشد فيما أسمته "مليونية الغضب"، السبت، رفضا لإطاحة الجيش السوداني بالحكومة الانتقالية وللمطالبة بإبعاد المكون العسكري عن السلطة.
وفي 25 أكتوبر الماضي، أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء الولاة، واعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، تلاها احتجاجات رافضة وانتقادات دولية تطالب بعودة الحكومة الانتقالية.
وشملت الفترة الماضية وساطات دولية وأفريقية لتجنيب البلاد دوامات الفوضى واضطرابات جديدة إلا أنها تعثرت في الوصول لصيغة توافق مع إصرار المكون المدني على عودة الحكومة الانتقالية، فيما أصدر البرهان، الخميس، مرسوماً دستورياً بتشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته اعتبره محللون يزيد الأمور تعقيدا حيث خرجت احتجاجات مناوئة في الخرطوم ومناطق أخرى وسط دعوات لخروج مكثف السبت.
مليونية غضب
وقالت تنسيقيات لجان المقاومة بالخرطوم، وهي اللجان التي تقود التظاهرات في الأحياء، في بيان، نشر على الصفحة الرسمية لتجمع المهنيين السودانيين، قائد الحراك الاحتجاجي، على موقع فيسبوك: "توافقنا على أن يكون، السبت، يوما ثوريا تسير فيه مليونيات الغضب لإسقاط العسكر".
وأهاب البيان بـ"الجميع داخل السودان وخارجه بالمشاركة بالفعالية في المليونية".
بدوره، ناشد تجمع الجيولوجيون السودانيون، أحد مكونات تجمع المهنيين، بالمشاركة في "مليونية 13 نوفمبر"، وفق المصدر ذاته.
ومنذ حوالي أسبوعين يشهد السودان احتجاجات يومية، للمطالبة بحكم مدني، فيما قال البرهان، في أكثر من مناسبة، إن الجيش ملتزم بالتحول الديمقراطي، وإنه بصدد اختيار رئيس وزراء لتشكيل حكومة كفاءات، بلا انتماءات حزبية.
وأنهت قرارات الجيش اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين الذي تم التوصل إليه بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في 2019، والتي كان يفترض أن يقود إلى الانتخابات في أواخر 2023.
وتكونت "لجان المقاومة" في المدن والقرى، عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة المظاهرات في الأحياء والمدن التي أطاحت بالبشير في 11 أبريل 2019.
مجلس جديد ومظاهرات غاضبة
وعقب أداء البرهان اليمين الدستورية رئيسا لمجلس السيادة أمام رئيس القضاء فتح الرحمن عابدين خرجت مظاهرات في الخرطوم للاحتجاج على المرسوم.
ويضم المجلس الجديد 13 عضوا، 9 كانوا أعضاء في المجلس السابق، بينهم 5 من كبار ضباط الجيش، و4 أعضاء جدد حلوا محل أعضاء المجلس السابق المنتمين إلى قوى الحرية والتغيير.
وبقي في المجلس قادة الجبهة الثورية وهم مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس. وحظيت المرأة بمقعدين من أصل 5 مقاعد مدنية في المجلس الجديد. فيما تم تأجيل تسمية ممثل شرق السودان في المجلس الجديد إلى حين إجراء "مزيد من المشاورات".
وعلى الفور، شهدت مناطق عدة في العاصمة السودانية مظاهرات احتجاجية حيث أحرق محتجون غاضبون إطارات سيارات وقطعوا طرقا رئيسية في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.
كما خرج متظاهرون في عدة أحياء سكنية في مناطق جنوب الخرطوم للتنديد بما يصفونه بـ"الانقلاب العسكري" ومطالبين بعودة الحكومة المدنية.
قلق دولي
واعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان، فولكر بيرتيس، تعيين مجلس سيادة جديد "يزيد من صعوبة العودة إلى النظام الدستوري".
ودعا المبعوث الأممي للسودان، الجيش إلى السماح بالاحتجاجات السلمية والمظاهرات المخطط لها السبت.
كما وصفت الأمم المتحدة التطورات الأخيرة في السودان بأنها "مقلقة للغاية"، معربة عن أملها في عودة الانتقال الديمقراطي بأسرع وقت ممكن.
ودعا الاتحاد الأوروبي السلطات السودانية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين منذ 25 أكتوبر الماضي.
كما عبر بيان أميركي بريطاني نرويجي سويسري أوروبي عن القلق البالغ بشأن إعلان مجلس سيادي جديد في السودان.
ودعا البيان إلى عودة عبد الله حمدوك والحكومة الانتقالية للسلطة، مؤكدا أن إعلان تشكيل مجلس سيادي جديد في السودان يعد إجراءً أحاديا يقوض الالتزام بالإطار الانتقالي.
تحديات وصعوبات
ويشكل انقطاع خدمات الإنترنت تحديا كبيرا بالنسبة للتجمع الذي يواجه مشاكل واقعية للتفاعل مع الجمعيات واللجان وعامة السودانيين وحثهم على المشاركة في هذه التظاهرة.
فبعدما كان يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئة الشباب، كما حدث في 2019 التي أسقطت نظام البشير يواجه هذه المرة مشاكل لوضع استراتيجية ناجحة للتواصل مع مكونات الشعب السوداني بسبب انقطاع الإنترنت.
ورغم حكم قضائي بإعادة الإنترنت فورا في البلاد إلا أنه لليوم التاسع عشر يواجه السودانيون صعوبات جمة تصل إلى الانقطاع الكامل.
توحد قوى الثورة
الكاتب والمحلل السياسي السوداني، محمد علي فزاري، قال إن مظاهرات السبت ستكون مغايرة كما ونوعا عن الاحتجاجات السابقة وهو ما يبدو من شعارها بأنه "لا تفاوض ولا حوار".
وأضاف فزاري، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية": "الجديد في احتجاجات السبت هو توحد قوى الثورة، ربما لأول مرة تتوحد 3 أجسام ظلت متنافرة لفترة غير قصيرة هي قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ولجان المقاومة حيث بات هدفها واحد وهو إسقاط ما يسمونه بالانقلاب العسكري".
وأكد على أن هذا الزخم يزيد من قوة ودفع الحراك الثوري خاصة بعد قرار البرهان بتشكيل مجلس سيادي دون إرادة الشارع السوداني كون قوى الثورة ترى فيه إعادة للمكون العسكري بنفس الوجوه والأشخاص غير المرغوب فيها وبالتالي سيقاومون كل الإجراءات التي جاءت بعد "الإطاحة بحمدوك".
حالة احتقان
واعتبر أن انقطاع خدمات الإنترنت لن يشكل عائقا كبيرا أمام قوى الحراك التي باتت محتشدة بشكل كبير، مؤكدا أنهم استخدموا وسائل بديلة للحشد مثل البوسترات والإعلانات بالميكروفات والتجمعات المسائية بالأحياء والرسائل القصيرة على الهواتف.
وأوضح أن هناك حالة احتقان كبيرة لدى الشارع السوداني بعد قرارات المكون العسكري، فالمواطن بات يعرف أن أهدافه المعيشية والاقتصادية والاجتماعية تتحقق في دولة مدنية ديمقراطية فالاحتجاجات على البشير لم تكن "ثورة خبز" فقط بل هي ثورة كرامة التي كانت ضمن أهم شعاراتها.
وتابع: "المواطن لا يفصل بين الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالحكومات العسكرية لم تحقق أي جديد، فهي حكمت أكثر من نصف عقد ولازالت الأوضاع تراوح مكانها".