جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في ظل تحركات مناوئة من قوى موالية لإيران خاسرة في الانتخابات التشريعية، ما عدّه البعض تصعيدا من قبلها في محاولة لإنقاذ هيمنتها بعد ذبول مشروعها السياسي ولفظها من قبل العراقيين.
وتعرض منزل مصطفى الكاظمي لهجوم عبر ثلاث طائرات مسيّرة مفخخة، استهدفت مكان إقامته في بغداد، دون أن تتسبب بأي أذى لرئيس الوزراء العراقي.
واعتبر الكاظمي في تصريحات عقب الهجوم، أن الجهة التي تقف وراءه ليست التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وغيرها، بل طرف له مشروع سياسي وشريك في العملية السياسية، في إشارة للمليشيات الموالية لإيران.
وعن خطورة الهجوم ورسائله، قال السياسي والأكاديمي العراقي، ليث شبر، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "لقد أكدنا مرارا على ضرورة عدم إشراك المليشيات في الانتخابات لأنها لن تقبل بالنتائج إذا لم تكن في صالحها، وسترفع السلاح وتهدد الاستقرار والأمن إذا لم تستجب المفوضية لذلك".
وأضاف الأكاديمي العراقي: "هم قادرون على ذلك، بل إن سياستهم منذ 2019 كانت تقوم دوما على تهديد الدولة ومؤسساتها حينما يتعرضون لأي فعل مخالف لأجندتهم الخارجية، ولذلك ليس غريبا ما حدث بعد الانتخابات من تهديد ووعيد، وما محاولة اغتيال الكاظمي إلا دليل واضح على ذلك".
وتابع قائلا: "لابد أن نؤكد أنها البداية فقط، فهي رسالة واضحة لكل من سيقف ضدهم ما دامت الدولة ضعيفة والقانون غائبا".
وأشار إلى أن "المليشيات مجهزة بمختلف أنواع الأسلحة ومنها الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل لديها أسلحة محرمة موجودة في مقراتها، وهي لن تتوانى عن ضرب أي منطقة، بل وفعلت ذلك مرات عديدة مادامت إيران ترغب بذلك لزعزعة الاستقرار والأمن لفرض السيطرة والنفوذ".
وتوقع شبر تفاقم الوضع الأمني والفوضى موضحا: "العراق اليوم على شفا الفوضى التي قد تؤدي إلى حرب ميليشيات ستؤدي إلى سقوط هذا النظام وتقسيم البلاد ما لم يتم اتخاذ إجراءات دولية وإقليمية وعربية لمنع ذلك".
رسائل مبطنة
وصنّف الأكاديمي العراقي، محمد العيدان، الهجوم الأخير، في خانة تقوية الموقف العام للجهة التي نفذته على كافة الأصعدة، وكمحاولة لإفهام الجميع أن حسابات الصناديق شيء وحسابات الميدان شيء آخر.
وبيّن العيدان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "هي وسيلة ضغط لإثبات أن هناك مزيدا من الأوراق يمكن لعبها، وهو أسلوب تقليدي عبر القيام بأعمال محدودة لإثبات وجود فائض قوة محتمل للخصوم".
وبالنسبة لتداعيات ذلك على العراق، أوضح العيدان: "لا يحتمل العراق أن يزيد التصعيد عما وصل إليه حتى الآن، فيما أكد أن الكاظمي معادلة توازنات أكبر من إرادات القوى العراقية المتحالفة أو المتقاطعة، إذا اتفقت هذه التوازنات على استمرار الدعم له لن يستطيع أحد إجباره على شيء إلى حين استمراره أو الإتيان بحكومة جديدة برئيس جديد".
احتجاجات وتهديدات
وتأتي محاولة الاغتيال بعد يومين من الصدامات العنيفة التي وقعت بين القوات الأمنية العراقية، والمحتجين المعترضين على نتائج الانتخابات من أنصار ما يسمى بـ"الإطار التنسيقي" بالقرب من المنطقة الخضراء شديدة التحصين، والتي تضم الكثير من المقار الحكومية العراقية، والعديد من البعثات الدبلوماسية، وسط بغداد.
وكان المئات من مناصري "الحشد الشعبي"، قد نظموا قبل أكثر من أسبوعين اعتصاما مفتوحا قرب المنطقة الخضراء، حيث يقع أيضا مقر المفوضية العليا للانتخابات، احتجاجا على ما اعتبروه "تزويرا" شاب الانتخابات التشريعية المبكرة.
وقبل أسبوعين، دعا الإطار التنسيقي للأحزاب الخاسرة الرئيس العراقي، برهم صالح، إلى التدخل، لمنع اتجاه الأحداث في البلاد نحو "الأخطر".
ومن أبرز الخاسرين بالانتخابات العراقية "تحالف الفتح" الذي يضم فصائل وأحزابا موالية لإيران، وحركة "حقوق" التي يقودها أحد قادة مليشيات كتائب حزب الله و"قوى الدولة" التي تضم تيار "الحكمة" و"الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
عودة "الكاتيوشا"
وشهد مطلع الشهر الجاري، تنفيذ المليشيات وعيدها، إذ بدأت بمهاجمة المنطقة الخضراء، وسقطت 3 صواريخ "كاتيوشا" على منطقة المنصور في العاصمة بغداد، بعد شهور من انقطاع مثل هذه الهجمات.
واعتادت الفصائل المسلحة مهاجمة مصالح الولايات المتحدة وبعثات الدول الأجنبية عبر صواريخ وعبوات ناسفة محلية الصنع، طيلة الفترات الماضية وتزايدت بعد مقتل كل من قائد ميليشيا فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، والقيادي بالحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة جوية أميركية ببغداد في 3 يناير 2020.
لكن هذا الحادث يعد الأول من نوعه الذي يستهدف رأس السلطة التنفيذية والعسكرية في البلاد، منذ اغتيال رئيس مجلس الحكم العراقي عز الدين سليم، في مايو 2004، حينما كان العراق في ذروة الفوضى والصراع السياسي.
ومنذ مطلع العام، استهدف أكثر من 50 هجوما المصالح الأميركية في العراق، لاسيما السفارة في بغداد وقواعد عسكرية عراقية تضم أميركيين، ومطاري بغداد وأربيل.