توج شهر قضية الصحراء داخل مجلس الأمن الدولي، الجمعة، بقرار جديد نص على تمديد ولاية بعثة "المينورسو" لمدة عام جديد، والدعوة إلى استئناف المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، بدون شروط مسبقة، من أجل إيجاد حل للنزاع الذي عمر طويلا.
وقد رحب المغرب بالقرار الجديد، فيما أكدت جبهة البوليساريو أنها بصدد تقييمه على أن تصدر بيانا في الوقت المناسب.
وقد استبقت الجبهة بيانها بانتقادات لاذعة لنص القرار الذي تم اعتماده بموافقة 13 بلدا مقابل امتناع تونس وروسيا عن التصويت.
ويدعو القرار الذي صاغته الولايات المتحدة إلى ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي ودائم ومقبول للنزاع، يعرب عن دعمه الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي لتيسير عملية المفاوضات.
وفي هذا الإطار، يدعو القرار المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو إلى استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية، على أن تكون المفاوضات في شكل موائد مستديرة.
وقد أدى اعتراض روسيا على بعض الصيغ الواردة في مسودة القرار إلى تأجيل جلسة التصويت، التي كان من المقرر أن تعقد يوم الأربعاء.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد اعترضت روسيا، العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، على صلاحيات بعثة "المينورسو" وشكل المفاوضات. غير أن الولايات المتحدة رفضت، باعتبارها صاحبة قلم الصياغة، التعديلات التي طالبت بها موسكو وحافظت على الصيغة الأصلية للنص.
ترحيب مغربي
ومباشرة بعد جلسة التصويت أدلى وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بتصريحات للصحافة، أكد فيها أن القرار مهم بالنسبة للمغرب حيث يكرس المكتسبات التي راكمها بخصوص قضية الصحراء.
وشدد بوريطة على أن هذه المكتسبات أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريش، في تقريره الأخير حول الصحراء، ولخصها في ثلاث نقاط أساسية هي تأمين معبر "الكركرات" مع موريتانيا، وفتحه من جديد للحركة التجارية، والاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وفتح مجموعة من القنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وشدد رئيس الدبلوماسية المغربية، على أن مجلس الأمن حدد بصراحة، الأطراف المعنية بالقضية، معتبرا أن مسلسل التفاوض هو الحل الوحيد لحل قضية الصحراء.
وجدد الوزير التزام المغرب بوقف إطلاق النار، في رده على الفقرة التي نصت على قلق الأمم المتحدة من خرق وقف إطلاق النار. حيث أشار النص الأممي في هذا الباب إلى إعلان جبهة البوليساريو في نوفمبر 2020 انتهاء وقف إطلاق النار مع المغرب بسبب الأحداث التي شهدها معبر "الكركرات".
من جانبه، أعلن سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، أن مجلس الأمن الدولي جدد في قراره الـ18 على التوالي جدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لافتا إلى أن اعتماد هذا القرار الجديد يأتي في سياق "مفعم بالتفاؤل" لاستئناف العملية السياسية، وذلك إثر تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا شخصيا جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء.
وخلال مؤتمر صحفي بمجلس الأمن، أبرز الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة أن القرار الجديد يؤكد "استمرارية" مسلسل الموائد المستديرة كإطار "وحيد وأوحد" لتسوية النزاع الإقليمي.
نصر دبلوماسي
ويرى الخبير الدولي في العلاقات الدولية وقضية الصحراء صبري الحو، أن تصويت أغلبية الدول على نص القرار الذي صاغته واشنطن، دون إدخال تعديلات عليه، يعتبر "انتصارا للدبلوماسية المغربية" ولـ"قلم تحرير المسودة"، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي اعترفت بمغربية الصحراء.
كما يعكس هذا التصويت، وفق الخبير المغربي، المصداقية التي بات يتمتع بها الطرح المغربي في الأوساط الدولية.
ومن أصل 15 دولة كانت مدعوة للتصويت، وافقت 13 دولة على نص القرار، بينها أربع دول دائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، يرى صبري الحو أن العبارات التي جاءت في قرار مجلس الأمن الدولي من قبيل التوصل إلى حل "دائم وواقعي" تستحضر روح مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب كحل سلمي للنزاع.
وكانت الرباط تقدمت عام 2007 بمبادرة تقوم على أساس تمتيع سكان أقاليم الصحراء بحكم ذاتي، معتبرة إياها بمثابة إطار واقعي وجدي عملي ودائم لقضية الصحراء.
وأكد نص القرار أن مجلس الأمن أخذ علما بالطرح المغربي وأشاد بما وصفه "بجدية الجهود المغربية من أجل التوصل إلى حل للنزاع".
ويعتبر الأستاذ الجامعي، أن نتيجة التصويت على نص القرار يشكل اعترافا ضمنيا بالطرح المغربي.
وقد حظي مقترح الحكم الذاتي خلال جلسة التصويت، بدعم قوي من قبل فرنسا والولايات المتحدة.
تراجع مقترح الاستفتاء
وفي المقابل، لم يشر نص القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء، إلى مقترح الاستفتاء الذي تقدمت به جبهة البوليساريو، والتي ترفض رفضا باتا مقترح الحكم الذاتي.
وفي هذا السياق، يؤكد صبري الحو أن مجلس الأمن الدولي، ومنذ العام 2004، لم يعد يشير إلى هذا الإجراء، ويحث على ضرورة البحث عن حل سياسي، متفاوض بشأنه ومقبول من جميع الأطراف.
و قد اعترف عدد من المسؤولين الأمميين بعدم قابلية الاستفتاء في الصحراء للتطبيق، لأن عملية الاستفتاء بناء على تحديد الهوية يعد مهمة مستحيلة بسبب الطابع القبلي والترحال لدى الساكنة الصحراوية.
إعادة "الموائد المستديرة"
ويدعو قرار مجلس الأمن الدولي المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى العودة إلى مسلسل الموائد المستديرة الذي توقف عام 2019.
وقبل أسبوع على جلسة التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي، عبرت الجزائر عن رفضها العودة إلى هذا الشكل من المفاوضات، ووزعت مذكر رسمية على أعضاء مجلس الأمن تؤكد فيها بأن قرارها بعدم المشاركة "لا رجعة فيه".
وحول سؤال بشأن أثر المقاطعة الجزائرية على العملية السياسية، أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة ، عمر هلال، أنه بدون الجزائر، "الطرف المعني" في النزاع " لا يمكن أن تكون هناك عملية سياسية ".
مهمة صعبة أمام المبعوث الجديد
ويضع القرار الدولي المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا في موقف صعب في بداية مهمته التي تولاها بعد سنتين على شغور المنصب.
ويتعين على الدبلوماسي المخضرم أن يبدأ من حيث انتهى سلفه، هورست كوهلر، الذي عقد آخر جولة من المفاوضات حول طاولة مستديرة في سويسرا عام 2019 قبل أن يقدم استقالته بعدما لم يتمكن من إيجاد أرضية مشتركة بين أطراف النزاع.
وفي تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، يرى أستاذ العلاقات الدولية، عبد الفتاح بلعمشي، أنه من أولويات المبعوث الأممي الجديد جر الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
وقد دعا القرار الجديد حول الصحراء، الأطراف المعنية إلى التعاون من المبعوث الجديد وتقديم التزامات بانخراطها في العملية السياسية، كما جدد الثقة في دي ميستورا الذي يأمل ألا يفشل في مهمته كما فشل في الأزمة السورية.