تطورات متسارعة يشهدها السودان، من رحم التوترات السياسية الخطيرة بين المكونين العسكري والمدني، والتي وضعت البلد أمام ما وُصف بـ"أخطر أزمة سياسية وأمنية" منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وسط سيناريوهات متفاوتة تفرض نفسها على تحليل الوضع القائم وطبيعة التطورات المحتملة في المرحلة المقبلة.
بينما تراقب أطراف إقليمية ودولية التطورات القائمة وتفاعلات الصراع بين المكونين في السودان، بقلق واسع، على اعتبار أن تلك التطورات لا تتعلق بالسودان وحده، بل إن تداعياتها تنتقل لتشكل تهديدا وتحديات متنامية خارج السودان بشكل مباشر وغير مباشر.
كانت الساعات الأخيرة في السودان حبلى بالتطورات الخطيرة، بدءا بحملة الاعتقالات التي طالت شخصيات سياسية بارزة ووزراء وزعامات حزبية سودانية، وصولا إلى وضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تحت الإقامة الجبرية، وسط استنفار أمني بالبلاد.
وتصاعدت ردود الأفعال من قبل القوى والأطراف السياسية المدنية الرافضة لتلك التطورات، والذين دعوا أنصارهم للنزول إلى الشارع.
تقود تلك التطورات الوضع في السودان إلى مشهد معقد، في خط متوازٍ مع التحديات المفصلية التي يواجهها البلد، الذي لم يدم فيه اتفاق الضرورة بين المكونين العسكري والمدني طويلا.
وبينما لا تزال التطورات جارية ومتسارعة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي أبرز السيناريوهات التي تنتظر السودان بعد التحركات الأخيرة، التي تعطي مؤشرا على مسار التصعيد في الأزمة؟.
المربع الأول
سفير مصر في السودان سابقا، محمد الشاذلي، يصف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، ما يحدث من تطورات في السودان بـ "الوضع المؤسف"، موضحا أن إلغاء الاتفاق الدستوري ووضع رئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية مع اعتقال عدد من المسؤولين والوزراء، والسيطرة على مبنى التلفزيون، وإغلاق مطار الخرطوم، وتعليق الرحلات الجوية وقطع الاتصالات والإنترنت، وغيرها من التطورات المتتالية خلال الساعات الماضية، هي تحركات "تضرب التسوية السلمية في السودان، وتعيد البلد إلى المربع الأول من جديد".
ويعتقد بأن تلك التطورات تقود إلى "عودة الفوضى للسودان، وعودة العقوبات والإدانات الدولية"، فيما لم يستبعد تكرار سيناريوهات "خطيرة" على أرض السودان، مثل السيناريو السوري أو الليبي، مستدلا على ذلك بأن هناك حالة تمرد مسلح في مناطق بعينها، ومؤخرا أزمة الشرق وكلها دلالات "لا تبشر بالخير".
كما يتحدث المسؤول السابق عن تداعيات تلك التطورات على دول الجوار، بالإشارة إلى أن أي اضطراب وعدم استقرار دائما ما ينعكس على البلاد المحيطة، سواء لجهة توافد المهاجرين، وكذا التأثير على العلاقات التجارية والاقتصادية.
وأوضح أنه كانت هناك "مشروعات مبشرة بالخير مع مصر، من المرجح أن تتأثر بحالة عدم الاستقرار داخل السودان".
تفاعلات إقليمية ودولية
من جانبه، لا يعتقد الكاتب الصحفي المتخصص في العلاقات الدولية، أسامة الدليل، أن المشهد في السودان مُرشح لتكرار سيناريوهات مماثلة للسيناريو السوري أو الليبي؛ لعدة اعتبارات مختلفة، من بينها أن أصحاب المصالح في استقرار السودان وهدوء الأوضاع به أكثر من أصحاب المصالح في تفكيكه.
ويستدل على ذلك في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالإشارة إلى أن الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بالملف السوداني "صاحبة مصلحة في استقراره"، من بينها روسيا والولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه الاتصالات والتحركات الأميركية الأخيرة فيما يخص الوضع في السودان.
ويتابع: "مصر أيضا يهمها أمن واستقرار السودان، لا سيما وأن أي تطورات هناك تؤثر على مصر باعتبارها دولة جوار، ويمثل السودان عمقا استراتيجيا لمصر، وبالتالي يشكل تحديا على بيئة الأمن القومي".
ويضيف: "بينما الأحداث تتابع في السودان، وبينما التطورات المستقبلية من الصعب التكهن بها، إلا أن هناك دلائل وشواهد مؤكدة على أن الوضع لن يتطور ليشبه الوضع السوري أو الليبي، فبخلاف المواقف الإقليمية والدولية، لا توجد تدفقات مالية وسلاح من شأنها تأزيم الوضع الداخلي ليصل إلى ما وصل إليه المشهد الليبي على سبيل المثال، مع تعدد اللاعبين وأصحاب المصالح فيه".
ويحذر الكاتب الصحفي المتخصص في العلاقات الدولية، من تبعات ذلك على أزمة "شرق السودان"، قائلا إنها "تهدد البلد بشكل كبير، ويتم استغلالها لإذكاء الفتنة".
ويشير إلى أن تحركات المكون العسكري خلال الساعات الأخيرة - بعد ارتفاع وتيرة التوترات السياسية والخلافات مع المكون المدني- يمكن أن تمر ما لم تكن هناك إرادات دولية معاكسة لها، معلقا في الوقت نفسه على ردود الأفعال المحلية، وإمكانية أن يسقط معها البلد في أجواء من الفوضى الممتدة.
ويوضح: "الحركات النشطة في الشارع هي بالتأكيد لا تمثل كل أطياف الشارع السوداني، ولا يوجد برلمان يمثل صوت الشعب. إن مشكلة السودانيين الأساسية هي مشكلة اقتصادية معيشية بالمقام الأول".
سيناريوهات الفوضى
وحملت ردود الفعل المحلية على التطورات الأخيرة، دعوات للتصعيد، صاحبتها مخاوف مراقبين من تداعيات ذلك على المشهد العام في البلد.
فقد دعا الحزب الشيوعي السوداني إلى "إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني"، كما دعا تجمع المهنيين السودانيين المواطنين لـ "الخروج إلى الشارع" لمقاومة ما اعتبره انقلاب، في الوقت الذي دعا فيه المكتب السياسي لحزب المؤتمر جماهير الشعب السوداني إلى "الخروج إلى الشوارع فورا" أيضا.
ووصف حزب الأمة القومي ما يحدث بأنه يمثل "انتهاكا للوثيقة الدستورية وعملا غير شرعي"، كما دعا حزب التجمع الاتحادي الجماهير للتوجه إلى الشوارع لـ "حماية الثورة".
ومع ذلك، فإن سيناريوهات التهدئة وتغليب المصلحة العامة، يتحدث عنها الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الإفريقية، السفير أحمد حجاج، والذي يقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "الجهات السودانية المختلفة والمتناحرة انزلقت إلى ما سعى إليه أنصار النظام السابق بإثارة فصيل ضد آخر، وبالتالي وصل السودان إلى هذا المشهد الحالي".
ويردف: "على الشعب السوداني ألا يواصل السقوط في هذا الشرك، وأن يضع المصلحة العليا للبلاد نصب أعينه".
ويلفت حجاج، في معرض تحليله للتطورات الأخيرة، إلى أن السودان "مقبل على تحديات كبيرة، ولا يجب أن ننسى أن هناك من يتربص بالسودان، والملفات المنشغل بها، من بينها ما يتعلق بالمشكلات مع الجانب الإثيوبي، والمناوشات والاشتباكات الحدودية".
ويوضح أن الشعب السوداني "مدعو للتآلف وإدراك طبيعة تلك التحديات (الداخلية والخارجية)، وعدم الانزلاق وراء سيناريوهات الفوضى، ليتمكن بعد ذلك من إجراء انتخابات تشريعية تمهيدا لانتقال السلطة بشكل سياسي سلمي".