رغم التصريحات المتفائلة في بداية جولة جنيف الـ 6 لصياغة الدستور السوري، بتميز اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة عن الاجتماعات السابقة وإمكانية الحوار والتوافق وغياب التوترات السابقة، إلا أن ختام المحادثات لم يحمل أي مؤشرات للتفاهم وتقارب الرؤى حول نقاط الخلاف الأساسية، بل وجهت الأطراف السورية انتقادات لبعضها البعض.
وأعلن المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسن، الجمعة، انتهاء محادثات اللجنة الدستورية السورية في جنيف دون إحراز أي توافق حول المبادئ الدستورية الأربعة، موضحا أن الاجتماع الأخير عبارة عن خيبة أمل لافتقار المجتمعين فهم سليم لطريقة دفع هذ المسار إلى الأمام، لذا لم تتوصل الجولة لتفاهمات وأرضية مشتركة.
وأوضح رئيس وفد النظام السوري، أحمد الكزبري، أن الوفد طرح مبادئ تعكس طموحات الشعب السوري وهواجسه وجاء برغبة صادقة وروح إيجابية لإنجاح الجولة، مشيرا إلى أن طروحات المشاركين الآخرين منفصلة عن الواقع وتعكس أفكار خبيثة وأجندات معادية.
ولم تختلف تصريحات وفدي المعارضة والمجتمع المدني عن تصريحات النظام، حيث قال هادي البحرة إن وفد الحكومة لم يقدم أي ورقة للتفاهم وأصر على ألا يرى أي نقطة للتوافق، مشددا على أن الحل السياسي عبر تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ينهي معاناة السوريين.
من جانبها، أشارت عضو وفد المجتمع المدني، ميس كريدي، إلى تأييد وفدها لورقة الإرهاب المقدمة من وفد الحكومة.
وضمت جولة جنيف الـ 6 الخاصة بصياغة الدستوري السوري، 45 عضوا موزعين بالتساوي بين النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني، وتقوم بدورها برفع تقرير للجنة موسعة تضم 150 عضوا مكونين من الأطراف الثلاثة بواقع 50 عضوا عن كل طراف.
وفي بداية المباحثات، التقي كزبري البحرة معا في لقاء الأول من نوعه برعاية دولية وأعلنا التوافق على البدء في صياغة المبادئ الأساسية للدستور والالتزام بتحديد مواعيد مؤقتة للاجتماعات المقبلة ومناقشة خطة العمل. وفي الوقت نفسه، أبدى كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي أصغر خاجي، ومدير عام وزارة الخارجية التركية سلجوق أونال ترحيبهما بالمباحثات.
مصير الجولة
كان من المتوقع انتهاء المفاوضات بملخص لـ 4 موضوعات هم الجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات، وسيادة القانون، وسيادة الدولة، والإرهاب والتطرف، مع تحديد مواعيد الجولة المقبلة.
ويري المحلل السياسي السوري، غسان يوسف، أن عودة المباحثات بشأن الدستور السوري بعد توقف دام 9 أشهر ترجمة لجولات المبعوث الدولي لدمشق وأنقرة وموسكو وعدد من العواصم العربية الفترة الماضية، بهدف تهيئة الأجواء بين الأطراف وجعل جولة جنيف السادسة بداية لمرحلة جديدة، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب توافق بين الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف السوري.
ويوضح يوسف في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن اجتماعات جنيف تصبح اجتماعات عبثية ليس لها تأثير بدون توافق على حل سياسي في سوريا، خاصة وأن الدولة السورية تتمسك بخروج القوات التركية والأميركية من أراضيها لدخولهم بدون إذن الحكومة السورية وقتها.
ويشير إلى أن النظام ليس على خلاف مع المعارضة بقدر خلافه مع الهيئة العليا للتفاوض وتنظيمات الإخوان وداعش وجبهة النصرة والمقاتلين الأجانب من الأيغور والشيشان المتواجدين في إدلب شمال غربي سوريا بدعم تركي من جانب، ومع الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري من جانب آخر.
نقاط الخلاف
حول النقاط الخلافية بين المجتمعين بشأن الدستور السوري، الذي يعد بداية لرسم ملامح مرحلة ما بعد الحرب في سوريا، يقول المحلل السياسي السوري، إن المشكلة في مباحثات اللجنة الدستورية تتعلق باشتباك نقاط الخلاف بين جميع الأطراف، حيث يركز النظام السوري على نقاط محاربة الإرهاب والتطرف، وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وهو ما يعكسه الوفد الممثل للنظام خلال جولات التفاوض.
وتتمسك المعارضة بصياغة دستور جديد والتخلص من دستور 2012 بشكل يناسب أهدافها مع تقليص صلاحيات الرئيس ومجلس الشعب، وتأسيس دستور مناطقي يكرس للامركزية، ورغم أن النظام لا يمانع اللامركزية ولكنه يريد دولة قوية لها كيان تحافظ على صلاحيات الرئاسة بشكل يمنع أي خلافات بين باقي المؤسسات وتدخل أي دول إقليمية في شؤونها، بحسب تصريحات يوسف.
ويفسر موقف تركيا بالمطالبة بتطبيق نظام برلماني يمنح المناطق مركزية أكثر، بينما طرحت روسيا دستورا لم يلقى قبولا من المعارضة والحكومة والمجتمع المدني، كونه يرتكز على الطوائف العرقية ويؤجج حرب جديدة في سوريا.
ويشير يوسف إلى توافق إيراني – تركي في تكريس حكم إسلامي في سوريا، وبالطبع تصبح جماعة الإخوان الفصيل الأقرب لإدخال سوريا في هذا المنحى الديني، لذا ركزت الورقة الحكومية على التزامها بمواجهة كافة أنواع الإرهاب وتمويله باعتباره جريمة يعاقب عليها القانون ويعد استئصاله أحد أعمدة تماسك المجتمع السوري.، مؤكدا على أنها نقطة خلافية غير واضحة على السطح بين إيران والنظام السوري رغم العلاقة القوية بينهما.
دستور 2012
جاءت تسمية اللجنة الدستورية نتاج مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي نهاية يناير عام 2018، باعتبارها إحدى السلاسل الأربع لقرار مجلس الأمن رقم 2254 للحل السياسي للأزمة السورية، وتأسست اللجنة عام 2019 بعد جهود من الدول الضامنة لمسار أستانة (تركيا وروسيا وإيران)
ويوضح يوسف أن دستور2012 يمكن البناء عليه أو تعديل بنوده في حال تم الاتفاق عليه، مشددا على أن كتابة دستور من الألف للياء أمر مستحيل، وإن الإصلاح الدستوري يعني صياغة دستور بناء على دساتير سوريا السابقة بما فيهم دستور 2012 وهو أمر يؤسس للتوافق بين المشاركين.
ويضيف: "التوافق بشأن جميع القرارات الدولية بما فيهم قرار 2254، واستعداد النظام لتطبيق اللامركزية بحسب مرسوم 107 لعام 2011، وطلب المعارضة بحكومة ذات سيادة بصلاحيات تنفيذية دون المساس بصلاحيات الرئاسة ومجلس الشعب يعزز وحدة سوريا".
وشدد على أن تقارب الرؤي بين دمشق وواشنطن وأنقرة برعاية روسية واتفاق إيراني ينهي الأزمة السورية بتحقيق مبدأ السيادة السورية ويلغي كل جولات جنيف.