مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، التي جرت في العاشر من شهر أكتوبر الجاري، تحتدم النقاشات حول طبيعة التوجهات العامة للبلاد، في مرحلة ما بعد الانتخابات، والتي أسفرت عن تراجع كبير للقوى العراقية الموالية لإيران، ولا سيما لجهة تأثير هذه النتائج في علاقات العراق العربية والإقليمية والدولية.
ويرى المراقبون للمشهد في بلاد الرافدين، أن النهج التصالحي والتفاعلي مع العمق الاستراتيجي العربي للعراق، الذي اختطته حكومة مصطفى الكاظمي ورغم قصر عمرها، راكم حقائق ووقائع على الأرض العراقية بات صعبا الارتداد عنها، من قبل أي حكومة تتلوها، بحيث أن العراق، في ظل تلك السياسة الحصيفة، أعاد الاعتبار لانتمائه الطبيعي للمنظومة العربية كعنصر محوري ووازن فيها، ما أسهم حتى في تشجيع مختلف الدول العربية على مبادلة التحية العراقية بأحسن منها.
وحول مستقبل العلاقات العربية العراقية وآفاقها ما بعد الانتخابات، يقول الباحث السياسي العراقي رعد هاشم، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "مع فوز التيار الصدري والأكراد وتحالف تقدم، وتقدمهم ثلاثتهم على صعيد الكتل والقوى السياسية المتنافسة في الانتخابات الأخيرة، فإن هذه الأطراف التي تمثل مثلث أضلاع العراق، والمعروفة بعلاقاتها المتميزة والجيدة مع الحاضنة العربية، ستحرص أكثر على تفعيل قنوات التعاون والتواصل مع العالم العربي، والمواظبة على سياسة حكومة مصطفى الكاظمي العربية الحالية".
هذه الأطراف إن تمكنت من تشكيل الكتلة الأكبر، وبالتالي الحكومة، كما يرى الباحث السياسي العراقي: "فهذا سيخدم تعزيز سياسة الانفتاح العربي التي بدأها رئيس الوزراء الحالي الكاظمي، وسيكون هناك تاليا تفعيل لجهود التعاون مع العرب في كافة المجالات، وكبح جماح المد الإيراني، ونزع صاعق انفجار الخلاف الإيراني الأميركي على الساحة العراقية، ما يسهم في التهدئة واستتباب الأمن وتعزيز فرص الاستثمار وإنعاش الاقتصاد العراقي".
أما السيناريو الثاني وهو مستبعد للغاية، كما يرى هاشم، الذي أضاف: "في حال نجاح الجهات الموالية لإيران بطرق ملتوية في تغيير نتائج الانتخابات لصالحها، والحصول على الأكثرية البرلمانية، فإن التداعيات ستكون سلبية وخطيرة، لجهة عرقلة الانفتاح العراقي على العالم العربي وبالعكس".
وأردف قائلا: "وبلا شك السيناريو الأول يحظى بالدعم الشعبي العراقي، والمقبولية العامة على الصعيد الدولي، لذلك نحن أمام خيار سياسي وطني جامح يرتكن للحضن العربي الطبيعي الدافئ".
من طرفه يقول رائد العزاوي أستاذ العلاقات الدولية، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "نتائج الانتخابات العراقية هذه، أفرزت تشكيلة برلمانية مختلفة عن كافة البرلمانات العراقية السابقة، فالتركيبة البرلمانية والحكومية التي ستنبثق عنها ستكون الأقرب للعالم العربي، فما قام به الكاظمي من تدشين علاقات متينة ومحترمة مع مختلف الدول العربية، وخاصة المحورية منها كـمصر والإمارات والسعودية، سيبنى عليه في قادم الأيام حال تشكيل حكومة، يتوقع أن تكون قريبة من نهج حكومة الكاظمي خاصة في سياساتها العربية، وستتمخض عن ذلك أشكال جديدة من العلاقات التفاعلية البناءة بين العراق والبلدان العربية، بمعنى أن مشروع المشرق الجديد مثلا الذي دعا له الكاظمي سيتواصل بل ويتسع، وهكذا".
ويختم العزاوي: "أتوقع أن يعمل البرلمان العراقي الجديد، على إقرار وإبرام مجموعة اتفاقيات، فيما يخص تعزيز التكامل العراقي - العربي على كافة الصعد ومن أوسع أبوابه".
ويتفق هاشم والعزاوي على أن الغياب العربي في العراق، والغياب العراقي في العالم العربي، كانت كلفته باهظة على بلاد الرافدين، وعلى المنظومة العربية ككل على حد سواء.