لم تختلف تفاصيل النتائج المعلنة في ساعات متأخرة من السبت، من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، عن تلك التي أعلنتها بعيد انتهاء عمليات الاقتراع يوم الأحد المنصرم، إلا قليلا.
فقد حافظ التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر على تصدره الكبير للمشهد بواقع 73 مقعدا، محققا بذلك حصة الأسد من بين القوى العراقية والشيعية، ومتقدما بالضعف عن أقربها له في الترتيب، وهي دولة القانون التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
فيما حل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، أولا بين القوى الكردية ورابعا بين القوى العراقية، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس المشترك بافل الطالباني، والذي حل ثانيا كرديا، وخامسا في ترتيب القوى العراقية.
فيما حافظ تحالف تقدم الذي يترأسه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، على تقدمه القوى السنية، وعلى المرتبة الثانية بعد التيار الصدري بين القوى العراقية المتنافسة، مع بروز لدور المستقلين كشخصيات وككتل، كما هي الحال مع كتلة امتداد، والذين تقدر عدد مقاعدهم البرلمانية، وفق النتائج المعلنة بنحو 40 مقعدا.
وعلى ضوء جملة هذه النتائج، خاصة في شقها الشيعي، يتوقع المراقبون أن يكون التوتر سيد الموقف، لدرجة أن القوى الرافضة وأبرزها تلك المنضوية في الإطار التنسيقي الشيعية، أعلنت رفض النتائج حتى قبل صدورها وإعلانها رسميا.
وللتعليق على دلالات نتائج الانتخابات وانعكاساتها السياسية، يقول أستاذ العلوم السياسية علي أغوان، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "واضح أن القوى السياسية التي خسرت تعلم جيدا أن مساحتها السياسية، وعلى مستوى المكاسب والمناصب والاستحقاقات الحكومية والإدارية ستتراجع وتتقلص بشكل كبير، وهذه القوى صحيح أنها رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات، لكن يبدو أنها لن تذهب بعيدا في المقامرة، والتلاعب بمصير الدولة ومؤسساتها عبر الذهاب كخيار أول نحو المواجهة العسكرية، من أجل فرض رؤاها، وكل ما يجري الآن من شد وجذب، هو محاولة للإبقاء على التوازنات كما هي سابقا، لا كما أفرزت المعطيات الانتخابية الجديدة".
وهذا يعني أن القوى الخاسرة خاصة كتلة الفتح وغيرها من القوى المندرجة ضمن ما يعرف بالإطار التنسيقي، وفق الأستاذ الجامعي العراقي: "تسعى في الواقع عبر التصعيد ورفع نبرتها، للحصول على مكاسب مشابهة للمكاسب التي كانت بحوزتها، وهي في هذا السياق ترفع شعاراتها الابتزازية المعروفة، كإعلانها رفض حل الحشد الشعبي، ورفضها التطبيع، وغير ذلك من شعارات، بهدف الضغط على القوى المنتصرة لتقاسم السلطة معها".
وعن سيناريوهات ما بعد إعلان النتائج، يقول أغوان: "من الصعب جدا الذهاب لحكومة الأغلبية وأن تدرج القوى الأخرى كمعارضة، فالواقع السياسي العراقي لا يحتمل هكذا سيناريو، ولا حتى الكتل الرئيسية الفائزة راغبة في الحكم لوحدها، وتحمل هذه المسؤولية، ولعل النزاع المحتدم الآن في جوهره هو للدفع باتجاه إشراك الجميع، وإعادة إنتاج حصص تقاسم كعكة الحكم، بحيث تكون شبيهة بتلك التي تلت انتخابات العام 2018 ومخرجاتها".
فالمشكلة الخلافية الرئيسية، كما يشرح الأكاديمي العراقي: "ليست في حكومة الأغلبية، ومن يشكلها، بقدر ما هي محاولة للحفاظ على التوازنات القديمة التي أفرزتها الانتخابات في العام 2018، وعدم الاخلال بها، رغم انتصار التيار الصدري هذه المرة، مقابل خسارة كبيرة لقوى الإطار التنسيقي".
من جانبه، يقول علي البيدر، الكاتب والمحلل السياسي العراقي، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "تحاول قوى السلاح السياسي المنفلت، إحداث حالة من الفوضى وتسخين الأجواء في الشارع السياسي العراقي، للانقلاب على إرادة العراقيين الذين صوتوا بعكس توجهات تلك القوى الموالية لإيران".
"ولهذا هي تعمل على خلق تكتلات سياسية كما هي الحال مع الإطار التنسيقي، في مسعى لفرض إرادتها وإعادة تدوير سطوتها على المنظومة السياسية بالعراق"، كما يرى البيدر متابعا: "ولهذا فعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته أخلاقيا وقانونيا، في دعم التجربة الديمقراطية العراقية وتوفير الحماية لها".
ويحذر الكاتب العراقي من أن: "المشهد معقد ومتأزم، وربما تحاول تلك الجهات جر الشارع العراقي، نحو منزلقات خطيرة، كأن تتطور الأمور نحو احتكاكات بينها وبين سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، أو حتى أن تشتبك مع القوى الأمنية الحكومية".
ويختم البيدر: "يتطلب الموقف من الجميع تقديم الكثير من التنازلات، من أجل المصلحة الوطنية العليا وحفظ السلم الأهلي، وأن يكون هناك قرار وطني موحد بالضد من تلك التحركات المشبوهة، وبالتالي الوصول لصناعة رأي عام سياسي ووطني، نابذ للانقلاب على الديمقراطية وللعنف في العراق، مما سيجعل تلك الجهات معزولة وعاجزة".