فيما يشبه تقاليد الأحزاب الليبرالية في البلدان الديمقراطية، أعلنت قيادة حركة التغيير الكردية "كوران" استقالة جماعية من كل المناصب الحزبية القيادية، وذلك بعد الخسارة المدوية التي أصابت الحركة في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة التي جرت يوم الأحد الماضي.
ولم يتمكن أي من مرشحي حركة التغيير من نيل معقد برلماني، في تراجع واضح لشعبية الحزب، بعدما كانت كتلته البرلمانية مؤلفة من 9 نواب في البرلماني المركزي، وكان الحزب الثاني على مستوى إقليم كردستان العراق شعبية، بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني.
في التفاصيل، أصدرت الغرفة التنفيذية في حركة التغيير الكردية "كوران"، والتي تعتبر بمثابة المكتب السياسي للحزب، أعلنت عبر بيان مقتضب الاستقالة الجماعية لقيادة الحزب، بما في ذلك الأمين العام للحركة عمر سيد علي "من منطلق تحمل المسؤولية في هذه المرحلة الحساسة، قررنا في الغرفة التنفيذية لحركة التغيير الاستقالة من مهامنا، وسيتم في أقرب وقت تشكيل هيئة موقتة لإدارة شؤون الحركة". وهي بذا تقدم أول نموذج وتجربة على مستوى العراق في هذا الاتجاه، حيث تحتفظ قيادات القوى السياسية بمواقعها القيادية، أياً تكن النتائج التي تحققها أحزاباً.
وحركة التغيير الكردية هي تنظيم سياسي كردي عراقي تأسس خلال العام 2009، بعد انشقاق القيادي التاريخي في الاتحاد الوطني الكردستاني نيشروان مصطفى عن الحزب الذي أسسه الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني.
ولم تمضِ عدة سنوات، حتى حقق الحزب تقدماً سياسياً استثنائياً، تجاوز فيه حتى الحزب الأم، الاتحاد الوطني الكردستاني، وتمكن خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في إقليم كردستان العراق في العام 2013 من الحصول على 24 مقعداً برلمانياً، وأن يصبح القوى السياسية الثانية في الإقليم، ويحصل على منصب رئاسة برلمان الإقليم ويشارك في حكومة الإقليم.
وكان صراع سياسي غير معلن قد اندلع داخل أروقة حركة التغيير منذ عدة سنوات، بين الجيل الأقدم من قيادة الحزب، المؤلف من القياديين عمر سيد قادر وسفين ملا قرة وآسو رحيم وبروز مجيد، وبين جيل الشباب من قيادات الحزب، أمثال رئيس برلمان الإقليم السابق يوسف محمد، والبرلمانيين شاهو سعيد وعلي حمه صالح. ففيما كانت القيادة الأكبر عمراً تصر على المشاركة في الأجهزة والمؤسسات السلطوية في إقليم كردستان العراق، فإن جيل الشبان كانوا يطالبون البقاء في موقع المعارضة السياسية في الإقليم.
خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كانت الحركة قد تحالفت مع الحزب الأم الذي انشقت عنه، الاتحاد الوطني الكردستاني، ودخل الطرفان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عبر لائحة برلمانية واحدة "التحالف الكردستاني". لكن نظام الانتخاب الفردي حسب قانون الانتخابات العراقية الأخير، منح كل أصوات التحالف لمرشحي الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو أمر اعتبرته قيادة الحزب بمثابة عقاب لها "إن الخطأ والتقصير كانا من عندنا، إضافة إلى الظروف الموضوعية، ولهذا عجزنا عن نيل ثقة الشعب".
الكاتب والباحث الكردي العراقي أزاد قرة داغي شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية المأزق الذي تمر به حركة التغيير منذ عدة سنوات، وكيف أن هذه النتيجة الانتخابية كانت الخاتمة الموضوعية لمسيرة الحزب.
ويوضح قرة داغي بالقول: "كان جوهر شرعية وشعبية حركة التغيير الكردية منذ نشأته هو معارضة سلوكيات وسياسيات حزبي الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين كانا يعتبران نفسهما حركتي تحرر قومية، وتتصرفان على ذلك الأساس".
ويضيف "وكانت حركة التغيير تعتبر نفسها معارضة لهيمنة الحزبين على الحياة العامة في الإقليم، بالذات في القضايا الإدارية والاقتصادية والسياسية".
يتابع قرة داغي حديثه مع سكاي نيوز عربية قائلاً "كانت الشعبية الاستثنائية التي نالتها الحركة خلال انتخابات العام 2013 قد أغرتها بإمكانية التغيير من داخل سلطة الحزبين وبالشراكة معهما، وهو رهان فشل تماماً، وصارت القواعد الاجتماعية تعتبر الحركة شريكاً في السلطة الحاكمة، وبذا صارت تمنح أصواتها لأحزاب أخرى، مثل حركة الجيل الجديد".