قبل ساعات من إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، فإن أبرز التكهنات والتوقعات تذهب للاعتقاد أن قائمتي "الفتح" وسائرون "التيار الصدري" ستكونان الأوفر حظاً للحصول على أعلى عدد من مقاعد البرلمان، وتالياً ستتمكن واحدة منهما من تشكيل الكُتلة البرلمانية الأكبر، المخولة بتشكيل الحكومة العراقية حسب تفسير المحكمة الدستورية العليا للدستور العراقي.
وكانت الجهتان السياسيتان قد حصدتا أعلى الأصوات خلال الانتخابات الماضية التي جرت في العام 2018، بفارق 6 مقاعد فقط لصالح التيار الصدري، لكن قائمة فتح اعتبرت نفسها الأكبر حجماً، لأن قائمة سائرون كانت تضم طيفاً من الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي.
بعد 3 سنوات، ما تزال القائمتان الأكثر سطوة وحضوراً في العاصمة بغداد وكافة المحافظات الجنوبية من العراق، حيث ثمة ما يزيد على 200 مقعد من أصل 329 مقعد برلماني، مُخصص لتلك المناطق.
ففي حين تعتمد قائمة سائرون على التراث الشعبي والرمزي لعائلة الصدر، فإن قائمة فتح الانتخابية تُعتبر الواجهة السياسية شبه الرسمية لفصائل الحشد الشعبي العراقية. لكن المراقبين يشيرون إلى أن شعبية التيارين السياسيين تتأتى بالأساس من سيطرة تنظيماتهم على مؤسسات الدولة والإمكانية الاقتصادية وشبكات الخدمات في تلك المناطق من العراق.
استطلاعات الرأي المُختلفة التي نُشرت خلال الأسبوعين الماضيين، أشارت بمُعظمها إلى أن التيار الصدري سيحقق تقدماً على قائمة الفتح، مستفيداً من "النقمة" الشعبية التي تحملها القواعد الاجتماعية في وسط وجنوب العراق على فصائل الحشد الشعبي التي تُمثلها قائمة الفتح، وكذلك من الاستقلال النسبي لقيادة وتوجهات التيار الصدري عن الاستراتيجية الإيرانية داخل العراق.
لكن نفس الاستطلاعات أشارت إلى النسبة التي سيحققها التيار الصدري لن تصل للعتبة التي تروج وسائل إعلام مُقربة من التيار الصدري له، 80 مقعداً من أصل 329 مقعداً برلمانياً، ولن تتجاوز نتائجه ما كان قد حققه خلال الانتخابات الماضية في العام 2018، حينما كانت كتلته البرلمانية بـ 54 مقعداً.
أبرز مخاوف التيار الصدري خلال الأسبوعين الماضيين كانت تذهب إلى الخشية من استغلال قائمة فتح لنمط "الدائرة الصُغرى" المُطبقة خلال هذه الانتخابات، وذلك عبر دفع فصائل الحشد الشعبي للضغط على القواعد الاجتماعية في المناطق الطرفية للتصويت لصالح مُرشحي القائمة.
الكاتب والباحث العراقي شوان عادل أعتبر، في حديث مع سكاي نيوز عربية، أن قضية حصول أي من هذين التيارين الرئيسيين على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية خلال جولة الانتخابات لا تُعتبر كامل لوحة التنافس بينهما، وأن جوهر التنافس/الصراع بينهما هو حول قدرة أي منهما على تشكيل التحالف "الشيعي" الأكبر داخل البرلمان في مرحلة ما بعد الانتخابات.
بُضيف عادل في حديثه "ستكون النتيجة التي سيحصل عليها كُل من تحالف قوى الدولة الوطنية (تيار آل الحكيم)، وحزب الدعوة العراقي ذات أهمية كُبرى في التنافس بين التيارين الرئيسيين. ففي حين يُعتبر تحالف قوى الدولة الوطنية حليفاً غير مُعلن للتيار الصدري، فإن حزب الدعوة العراقي بقيادة المالكي أنما سيكون قابلاً للتحالف بسهولة ومباشرة مع قائمة فتح، وبرعاية إيرانية مباشرة".
يتابع عادل حديثه مع سكاي نيوز قائلاً "الأمر نفسه يتعلق بالحزبين الكُرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكُردستاني المتآلف مع التيار الصدري بشكل مُعلن، والاتحاد الوطني الأقرب لقائمة الفتح".
وكانت مستويات التنافس والتكهنات قد تصاعدت خلال الفترة الماضية بسبب تصريحات قادة التيارين السياسيين الرئيسيين هذين حول عدم القبول باستعادة سيناريو العام 2018، حينما توافق الطرفان على تخويل شخص "حيادي" بالنسبة للطرفين ليقوم بتشكيل الحكومة، حيث كان رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي وقتئذ.
الأمر الذي يعني واحداً من التيارين السياسيين هذان سيكون في سُدة الحُكم، فيما سيشغل الآخر موقع المعارضة.
لكن الكثير من المؤشرات، بالذات من خلال التعليقات والجو العام على وسائل التواصل الاجتماعي العراقية، تدل على مفاجئات ما قد يحدث خلال هذه الانتخابات. فالتيار الصدري خلق نوعاً من المسافة بينه وبين القواعد الاجتماعية، من خلال "الانقلاب" على المنتفضين العراقيين الذين شاركهم في المراحل الأولى من الانتفاضة في خريف العام 2019. وكذلك لعدم تكريسه والتزامه بأي برنامج سياسي وإداري اصلاحي كان يعد به.
كذلك فإن قائمة فتح تتحمل كافة تبعات سلوكيات وأفعال فصائل الحشد الشعبي، التي عملت طوال السنوات الماضية للاستيلاء والحلول محل مؤسسات الدولة في العراق، بما في ذلك الإمكانيات الاقتصادية والإدارية والسياسية والقضائية التي كانت لهذه المؤسسات.