بات تواتر الأنباء المتكررة عن وقوع حوادث التعذيب والموت، ظاهرة مقلقة في السجون والمعتقلات العراقية، بحسب مختلف المنظمات والهيئات المدنية والمدافعة عن حقوق الإنسان داخل العراق وخارجه، وباعتراف الحكومة العراقية نفسها، كما حدث خلال الأسبوع الماضي إثر تدخل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في قضية المواطن الذي أجبر تحت التعذيب في أحد سجون مدينة بابل، على الاعتراف بجريمة مفبركة لم يقترفها.
وفي آخر حلقة من مسلسل جرائم التعذيب وانتهاك حقوق المعتقلين في العراق، انتشرت الأنباء الموثقة بالصور ومقاطع الفيديو، في مختلف وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية العراقية، لواقعة تعذيب وحشية جديدة هذه المرة في محافظة كركوك، ضحيتها شاب عراقي يدعى حسن محمد أسود، تعرض للتعذيب الشديد والمنظم خلال حبسه على مدى أشهر بحسب والده، الذي كشف في تصريحات لوسائل الاعلام العراقية، أن ابنه البالغ 28 عاما، اعتقل في شهر يونيو الماضي، من قبل قوة تابعة لاستخبارات الشرطة الاتحادية في كركوك، وبعدها تم نقله إلى مستشفى آزادي في مدينة كركوك وهو في حال صحية مزرية .
وبين الأب أن نجله نتيجة التعذيب المفرط، تم بتر أصابع يده اليسرى بينما اليد اليمنى بترت منها أصبع واحدة.
مؤكدا أن: "ثمة محاولات لإسكاتنا عن حقنا، مقابل تعويضات مالية من قبل الضباط والمسؤولين عن الجريمة، كي نصمت عن جريمتهم".
هذا وناشد والد الشاب المعتقل رئيس الوزراء العراقي الكاظمي، التدخل العاجل ومحاسبة المسؤولين الذين قاموا بتعذيب نجله والتسبب بإدخاله المستشفى بحالة حرجة.
وأوضح والد الضحية أن نجله حسن يعمل لحساب شركة أمنية لحراسة الحي الصناعي ليلا في كركوك، وقد اعتقل بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش الإرهابي.
ويشرح الأب المفجوع حراجة حالة ابنه الصحية المتدهورة قائلا:"أضطر الأطباء لقطع 4 أصابع من يده اليسرى، ورفع عظام بعض أصابع اليد اليمنى في محاولة لإنقاذها".
هذا ويخضع الشاب للعلاج في مستشفى آزادي بمدينة كركوك، بعدما جرى نقله إلىها وهو بحالة حرجة بسبب التعذيب الوحشي داخل السجن.
وتعليقا على تكرار حوادث القتل والتعذيب في السجون العراقية، يقول مصدر حقوقي عراقي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية: "الموضوع لا يتعلق فقط بانتهاكات فردية ومعزولة، بل هي ممارسات منتشرة ومعشعشة في عقول عدد كبير من ضباط وعناصر الأمن والمخابرات، ولا نعمم طبعا، حيث يتم النظر للمواطنين كأنهم مذنبون ومتهمون حتى تثبت برائتهم، في عكس للقاعدة الحقوقية والقانونية الشهيرة في هذا المضمار".
ويتابع: "أضف إلى ذلك تراكم الإرث السلطوي في آليات اشتغال مؤسسات الدولة وأجهزتها القمعية، فصحيح أن نظام صدام حسين قد سقط، لكن آلياته القمعية والديكتاتورية لا زالت قائمة وبقوة، والدليل ما يحدث الآن في معتقلات العراق من تعذيب سادي".
من جانبه يقول علي البيدر الكاتب السياسي العراقي، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية: "ثمة جملة أسباب متداخلة تقف خلف تكرار هذه الحوادث البشعة والمدانة، من ضمنها الجهل بقوانين حقوق الإنسان والقوانين الأخرى المتعلقة بطرق التحقيق وأساليبه، لدى أفراد ومسؤولي الأجهزة الحكومية المعنية، وهناك رغبة ربما من قبل جهات معينة، لعسكرة المجتمع وفرض نظام بوليسي".
ويسهب الكاتب العراقي في شرح آليات معالجة هذه الظاهرة الخطيرة المستفحلة، بالقول: "المطلوب إدخال عناصر الأمن والكوادر التحقيقية العراقية، في دورات تدريبية وتثقيفية مكثفة تتعلق بقواعد حقوق الإنسان، وكيفية التعاطي مع المتهمين ومع المواطنين".
ويختم البيدر: "في هذه الظروف وفي ظل هذا الجو البوليسي الخانق، بات أي مواطن عراقي، يخشى أن يتحول فجاة وعلى حين غرة، لمتهم ويتم اعتقاله وحبسه وممارسة التعذيب بحقه، دون أي مبرر قانوني بل وتلفق تهم وادانات له، كما شاهدنا مثلا في واقعة سجن بابل المخزية".
هذا ويأتي الكشف عن فضيحة التعذيب هذه، بعد أسبوع من تفجر فضيحة المتهم البريء، الذي تم تعذيبه وإجباره عنوة على الاعتر اف بجريمة وهمية لم يرتكبها بقتل زوجته، التي سرعان ما ظهرت حية ترزق.