مع اقتراب موعد الانتخابات العامة العراقية خلال أسبوعين من الآن، يلاحظ المراقبون لخارطة توزع القوى المتنافسة، غياب تيارات سياسية معبرة عن حراك تشرين الشبابي الشعبي، الذي تبلور على وقع الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية العارمة في العراق أواخر العام 2019.
وفي هذا المضمار، يقول مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية، في حوار مع موقع سكاي نيوز عربية: الداعون للمقاطعة يبررون ذلك بأنهم لا يريدون إعطاء الشرعية للقوى السياسية التقليدية الفاسدة، لكن العكس صحيح والمشاركة في الانتخابات هي حق أساسي لكل عراقي لا يجوز التنازل عنه، والمقاطعة هي بالتالي سياسة عدمية وغير منتجة.
ويشرح الأكاديمي العراقي واقع حراك تشرين الشعبي عشية الانتخابات، بالقول: قوى تشرين منقسمة، ولا نقصد بها فقط التيارات الشبابية الثائرة التي قادت طليعة المظاهرات الشعبية، على مدى أشهر طويلة، بل بمعنى الهوية الوطنية التي خلقها أولئك الشباب، فكل من يريد وطنا حرا، يحمل هوية تشرين، وهذا الفريق منقسم الآن مع الأسف بين مقاطع للانتخابات وداع للمشاركة فيها، وكما هو واضح كفة الداعين للمقاطعة أرجح، بسبب طعنهم في مجمل العملية، وتشخيصهم الأزمة البنيوية في العراق، بأنها متمثلة في النظام السياسي بالمجمل، وهذا صحيح مبدئيا ولا خلاف عليه.
ويتابع: لكن عمليا فالآلية الوحيدة المتاحة الآن للتغيير هي فقط الانتخابات، حيث لا يتوفر مثلا تيار سياسي وطني يملك شرعية دولية، ويستطيع عبر التنسيق والتواصل مع الخارج، تكرار تجربة 2003، ولا تتوفر ظروف داخلية مناسبة ومواتية، لقيام ثورة شعبية مرة أخرى قادرة على إسقاط النظام الحالي بالكامل، وإيجاد بديل سياسي متفق عليه، فالانتخابات إذن هي الآلية الوحيدة المتوفرة للتغيير.
فضلا عن الانتخابات هي فرصة لممارسة المواطن حقه، ولعب دوره كمشارك فاعل في الحياة السياسية، كما يقول الجنابي الذي يردف: عندما يشارك الشعب بشكل فاعل ومنظم، سيحدث التغيير حتما، باختيار قوى جديدة وإزاحة هذه الطبقة السياسية الفاسدة، لكن عندما تشارك نسبة ضعيفة من الناس في العملية الانتخابية، وتحرف نتائج الانتخابات وتزور، سيعاد بطبيعة الحال انتاج نفس الطبقة السياسية المأزومة.
وعن حظوظ قوى حراك تشرين الانتخابية، يقول الأستاذ الجامعي العراقي: تشرين حركة اجتماعية عفوية، غير مؤدلجة وغير مدعومة من الخارج، ولهذا قد ينقصها وضوح رؤيتها ومشروعها السياسي، ولكونها حركة شعبية فإنه مع مرور الوقت سينضج مشروعها السياسي، وتتبلور خياراتها وأجنداتها البرامجية، ورغم كل شيء فهي البديل الوطني الوحيد لكافة العراقيين.
وتبدو فرص حركة تشرين في الانتخابات ضعيفة، كون مشاركتها محدودة ببعض الأطراف والشخصيات المحسوبة عليها، كما يرى الجنابي، الذي يضيف: ولهذا لن نر عددا كبيرا من البرلمانيين المنتمين لتيار تشرين تحت قبة البرلمان القادم، وهم بالكاد قد يبلغون عدد أصابع اليدين.
ويختم أستاذ العلوم السياسية: وهذا يعني أن الأزمة ستبقى في العراق مع الأسف، لكن ورغم كل ذلك فإن ثمة مكسبا مهما جدا لا يمكن اغفاله، وهو أن القوى السياسية التقليدية، عندما تروج لنفسها ولبرامجها الانتخابية الآن، فإنها تستخدم شعارات ومفاهيم تشرين وأدبياتها، حول الدولة وسيادة القانون ومحاربة السلاح المنفلت، رغم أنها تحاول بذلك خداع الناخبين، لكنه مؤشر أكيد على أن خطاب تشرين يمثل نبض الشارع وإرادته، وعموما فالتعبير ومعركة بناء وطن، هي مهمة عسيرة لا بد من أن تأخذ وقتها، وهي تمتد لأعوام قد تطول.
من جهته يقول الباحث السياسي العراقي رعد هاشم، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية: التشرينيون ليسوا على خط واحد ومنهج جامع، فهم مختلفو التوجهات والأجندات، ومنهم من توزعوا على جبهات متعددة، ما مكن الأحزاب السياسية من شق صفوفهم، وضم بعضهم لها، كي توظفهم انتخابيا، بالقول إن نشطاء من حراك تشرين الشعبي ينضمون تحت لوائها.
ويردف: قوى تشرين مشتتة الآن وحركيوها فقدوا بريقهم، الأمر الذي ما كان ليحدث، لو بقوا متحدين وممثلين للحراك الشعبي والمتظاهرين، ولمطالبهم المشروعة والعادلة، فهم انشطروا ودخلوا متفرقين في بعض الحركات، وباتوا تاليا جزءا من لعبة التجاذبات السياسية التقليدية، فخفت تأثيرهم وقل تفاعل الجماهير معهم.
وبذلك تكون حركة تشرين فقد فقدت تأثيرها الأقوى لجهة التمثيل الانتخابي، كما يشرح الباحث العراقي، بالقول: فلو أنها تبلورت في جسم سياسي مؤطر ومنظم، يترجم مطالبهم وأهدافهم التي رفعوها في ساحات التظاهر، لكانوا الآن رقما صعبا في المعادلة الانتخابية العراقية، لكن في ظل هذا التشظي بصفوفهم، فهم إن حصلوا حتى على مقاعد برلمانية، فستكون موزعة بين مجموعة من الكتل والأحزاب السياسية التي انضموا لها فرادى وتفرقوا بينها، وبذلك ربما سيفقدون حتى هويتهم التشرينية، باعتبار أنهم باتوا موزعين على أحزاب كلاسيكية عدة، ثارت تشرين أساسا ضدها.
ويطرح هاشم توقعاته لحصص المحسوبين على حراك تشرين، من أصوات الناخبين قائلا: في أحسن تقدير قد يحصلون على 5 مقاعد برلمانية، لكنهم لو شاركوا كإطار سياسي تشريني قائم بذاته، لكانوا قد حصدوا على الأقل 30 مقعدا، لكن بفعل خشية الأحزاب التقليدية من قوى تشرين الصاعدة، ومدها الجماهيري الكبير، سارعت للعمل على تشتيتها وشرذمتها، وخاصة أحزاب الميليشيات المسلحة، لإضعاف تشرين كتيار تغييري ووطني رافض للتدخلات الخارجية وعلى رأسها الإيرانية في العراق، وفي ظل هذا الواقع القاتم سيكون دور التشرينيين ضعيفا وهامشيا في البرلمان وهذا الأمر علامة سلبية للغاية.