مع اقتراب فصل الشتاء، وفي ظل انتشار نُذر مواجهات عسكرية جديدة في مختلف مناطق إدلب شمال شرقي سوريا، يسوء الوضع الإنساني لقرابة ثلاثة ملايين نازح يتوزعون على عشرات المخيمات بالمحافظة.
ويسوء الوضع الإنساني، وسط انتشار البطالة والفقر وتراجع أداء المؤسسات التعليمية، بينما تشير العديد من التقارير المتطابقة إلى انتشار مختلف أنواع الأمراض بين صفوف النازحين، على رأسها وباء كورونا.
ويعاني من يعيشون في المخيمات نقصا شديدا في كمية الطعام التي يحصل عليها كُل نازح في هذه المخيمات، لا سيما الأطفال والكبار في السن، الأمر الذي قد يؤدي لانتشار "التقزم" في صفوف أطفال المخيمات.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد نشر تقريراً عن حالة "سوء التغذية" التي تنتشر في مختلف المخيمات في المنطقة، بسبب قلة الطعام ونوعيته، حتى أن "العوز الغذائي" صار أربعة أضعاف ما كان عليه قبل سنوات، وصار يُهدد بتغيير جسماني بعيد المدى على مستقبل مئات الآلاف من الأطفال المُقيمين في تلك المخيمات، بسبب هذه الظروف المعيشية.
ناهد السباعي واحدة من هؤلاء النازحين، تقيم مع ثلاثة من أبنائها في "مخيم أبو دفنة" وسط محافظة إدلب، بعد أن فقدت أثر زوجها منذ أكثر من خمسة سنوات.
تشرح السباعي أحوالها في حديث مع سكاي نيوز عربية "يعاني ابني البكر من تقوس متقادم في العمود الفقري، رغم أنه يتجاوز العاشرة من عمره، فيما تعاني ابنتي البالغة من العُمر سبعة سنوات من فقر دم مزمن، ولم يتجاوز طولها 75 سم، وكلا المرضين ناتجان عن نوعية الطعام الذي نتناوله، والذي يقتصر على الخبز وبعض البقوليات".
تضيف السباعي في حديثها مع "سكاي نيوز عربية"، "خلال السنوات الماضية كانت المساعدات الغذائية والطبية أكثر يُسراً، لكنها ظلت تتراجع، بسبب زيادة أعداد النازحين وتوقف المنظمات التركية عن تقديم مساعدات مالية وغذائية وطبية، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد بشكل استثنائي، بسبب تراجع قيمة الليرة السورية، خصوصاً منذ العام 2018".
سوء تغذية مزمن
وكان مكتب الأمم المُتحدة للشؤون الإنسانية قد أشار في وقت سابق إلى إن ثُلث الأطفال السوريين في تلك المخيمات يعانون سوء التغذية المزمنة، الذي قد يؤدي بهم إلى التقزم.
شامل صلاحي، طبيب مقيم في مخيم الرحمة للاجئين، وهو يُدير شبكة من الناشطين لموازنة المساعدات في مختلف مخيمات منطقة غرب إدلب، يشرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أسباب هذا التدهور في الصحة العامة لملايين النازحين في هذه المخيمات، وعلى رأسهم الأطفال.
وقال صلاحي "تقريباً تضاعف سُكان محافظة إدلب خلال آخر خمسة سنوات، فيما تراجعت كميات هطول الأمطار، وتبعا لذلك، حصل شح في كميات الطعام المتوفرة كما زادت أسعارها، إذ لا يحصل أكثر من 80 في المئة من النازحين على حاجاتهم الغذائية، فيما لا تتجاوز نسبة الذي يحصلون على الخدمات الطبية والأدوية اللازمة نسبة 40 في المئة".
يضيف صلاحي في حديثه "لا يتعلق الأمر بالطعام فحسب، بل بكل الدورة الصحية والحياتية للنازحين، فمن جهة، هناك أزمة حادة في جمع وإتلاف القمامة، فيما لا تراعي شبكات الصرف الصحي بالمخيمات الشروط الموضوعية للصحة العامة".
وأضاف الطبيب "الأمر نفسه ينطبق على التدفئة والحماية من الأوبئة والصحة السنية واللقاحات الدورية والمعالجة النفسية، وكُل تفصيل آخر. كُل ذلك أدى لأن تسوء الظروف الصحية للمقيمين بالتراكم، وغالباً سوف تصبح الأمراض والأوبئة أكثر تعقيداً خلال الأجيال القادمة".
الأغلبية المُطلقة من مخيمات اللاجئين في منطقة إدلب ما تزال مبنية من خيم قماشية، بالرغم من مرور ثماني سنوات على بعضها، والقليل منها المبني من الحجارة المحلية. في وقت ما تزال جميعاً مفتقدة للخدمات الصحية والمؤسسات التعليمية وإمكانية توفير فرص العمل لسكانها.
وكانت العشرات من مخيمات اللاجئين في منطقة إدلب تنقسم إلى ثلاثة أنواع، منها العشوائية المبنية بالقرب من البلدات والمُدن، وأخرى بنتها بعض المنظمات المدنية الإقليمية، وثالثة كانت تحت رعاية مؤسسات تركية.
لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية، تراجعت كُل أنواع الدعم والرعاية التي كانت تُمنح لمخيمات اللاجئين السوريين في منطقة إدلب، وبسبب ذلك، صار أكثر من 70 في المئة من سكانها يعيشون تحت خط الفقر.