تشكيلة المعارضة في مجلس النواب المقبل في المغرب، ستتميز بوجود عدة أحزاب ذات توجه يساري، وهي أحزاب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" بـ35 مقعدا، و"التقدم والاشتراكية" بـ21 مقعدا، و"اليسار الاشتراكي الموحد" بمقعد واحد، ثم "تحالف فيدرالية اليسار" (يضم حزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي) بمقعد واحد.
ويعتبر المراقبون أن وجود هذه الأحزاب اليسارية في المعارضة، فرصة للالتقاء على أرضية مشتركة لمواجهة التحديات قد تتحقق في ظل حكومة يترأسها التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي وسطي).
وعاشت الأحزاب اليسارية المغربية حالة من "الجمود" منذ سنوات جعلت مستقبلها على المحك، بعدما شكلت منذ ستينيات القرن الماضي قوة سياسية وازنة في المغرب، قادت المعارضة لعقود ثم "حكومة التناوب" (أحزاب المعارضة تقود الحكومة في إطار التناوب الديمقراطي) عام 1998، بقيادة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق والزعيم المؤسس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لكن اصطفاف الأحزاب المذكورة اليوم في المعارضة قد يعيد إليها نوعا من القوة السياسية، خصوصا وأنها خطوة مناسبة لتشكيل قطب يساري كبير ولو على مستوى التنسيق البرلماني فقط كبداية قابلة للتطوير والإنضاج.
الأرضية ضرورية للتنسيق
يقول عضو المكتب السياسي في حزب التقدم والاشتراكية، عبد الواحد سهيل: "الأمر يقتضي تحليلا معمقا يرتبط بتاريخ ومسار وإرادة العمل المشترك، ووجود على الأقل تقارب في وجهات النظر وإرادة بناء مشترك للمرحلة".
وأوضح القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، في تصريحه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن "هذا يحتاج إلى نقاش عميق داخل كل حزب وبين هذه الأحزاب، وتوفير الظروف الذاتية والموضوعية لأجل ذلك".
من جانبه، يرى منسق الهيئة التنفيذية لتحالف فيدرالية اليسار، عبد السلام لعزيز، أن "وجود أحزاب تعتبر نفسها يسارية وتوجد اليوم في المعارضة، ليس سببا كافيا للتنسيق إذا لم يكن هناك أرضية صلبة للعمل التنسيقي بين هذه التنظيمات السياسية".
وأضاف القيادي في تحالف فيدرالية اليسار، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أنه "موضوعيا ليس هناك موقف مبدئي من عدم التنسيق مع أطراف اليسار"، مستدركا بأنه "لن يكون هناك معنى للتنسيق إلا إذا كان هناك نوع من التقاطع بشكل عام حول مشروع أو القضايا التي يمكن التنسيق حولها".
اليسار ثلاثة تجارب
وأبرز الإعلامي والقيادي اليساري السابق، عبد الرحيم تفنوت، أن "الحديث عن اليسار في المجال البرلماني يمكن تقسيمه إلى 3 تجارب: وهي تجربة ما تبقى من الاتحاد الاشتراكي بالقيادة الحالي التي لم تعد لها علاقة باليسار سوى الاسم، وتجربة حزب التقدم والاشتراكية الغنية الذي مارس واقعية سياسية، ثم تجربة الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار بخطاب وعروض مغرية وبحصيلة لم تعط الكثير عدديا لكنها كانت ايجابية على المستوى السياسي".
ويعتقد القيادي اليساري السابق، في اتصاله بـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أنه "يمكن اليوم البحث بين فيدرالية اليسار وبين حزب التقدم والاشتراكية عن توافق، لأن تجربة هذا الحزب على المستوى البرلماني مهمة وفيها نوع من الواقعية".
بلورة وضوح إيديولوجي
في المقابل، لا تستبعد الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أن يكون اصطفاف أحزاب اليسار في المعارضة فرصة للتنسيق المشترك.
وسجلت لموير، أن "ما كشفت عنه نتائج المحطة الانتخابية لـ8 سبتمبر يصب في ضرورة بلورة وضوح إيديولوجي بغية ايجاد حلول للخيار الديمقراطي الذي تبناه المغرب وانخرط فيه منذ سنوات".
لذلك دعت الباحثة في العلو السياسية، في حوارها مع "موقع سكاي نيوز عربية"، إلى "ضرورة استغلال هذه الفرصة التي جمعت أحزاب اليسار في المعارضة والعمل على تقارب وجهات النظر في أفق توحيد الرؤى لبلوغ التنسيق بينها على مستوى العمل البرلماني والنقابي والأذرع الموازية".
وزادت المتحدثة قائلة: "من الضروري التعامل مع هذه الفرصة بكل مسؤولية بعيدا عن خلافات قيادات اليسار التي أدى ثمنها تفرق اليسار، لأن إضاعة هذه الفرصة الكبيرة اليوم هو بمثابة الوقوف على حقيقة استحالة توحيد اليسار، وأيضا فشله في مواجهة التحديات الكبرى القادمة".
كما أن "نشوء هذا القطب هو بلورة لاستراتيجية مسيرة النضال الديمقراطي الدستوري من داخل المؤسسات وهو ما يستلزم معه تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة"، تردف الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير.