يتعرض المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، إلى حملات شرسة على أكثر من جبهة، أحدثها ما تداولته وسائل إعلام عن تهديد مباشر من حزب الله، بعد تسريب خبر عن رسالة تهديد نقلت إليه عبر رئيس وحدة الأمن والارتباط وفيق صفا، مفادها أن "صبر الحزب نفد من طريقة البيطار في التحقيق، وأنهم سيعمدون إلى اقتلاعه من القضية".
كما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أن "وزير العدل، القاضي هنري الخوري، التقى، الأربعاء، المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، واستوضح منه حصرا عما تداولته وسائل الإعلام بشأن أمنه الشخصي",
وأوضحت أن الخوري "سيتابع هذا الأمر مع المراجع القضائية المختصة، كي يُبنى على الشيء مقتضاه"، وذلك بعدما كان النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، قد طلب، الأربعاء، من البيطار "إعداد تقرير حول رسالة التهديد، وتلقى منه ردا خطيا بالتأكيد على فحوى الرسالة".
ويقول الخبير الدستوري والقانوني، سعيد مالك، لموقع "سكاي نيوز عربية": "من الثابت أن التهديد لم يتم نفيه، ولم يصدر أي بيان مخالف له، بالتالي فهو صحيح. وهو تهديد للقضاء في لبنان وليس فقط للقاضي البيطار، وذلك بهدف طمس الحقيقة وعدم الكشف عن الفاعلين".
وأضاف: "الخطوات التي يفترض أن تتخذ حيال هذا التهديد محصورة بالنيابة العامة التمييزية، التي يفترض بها أن تحرك الدعوى العامة حول صحة الرسالة ومرسلها. والمرسل واضحة هويته. وأضعف الإيمان يقضي باستدعائه والتحقيق معه".
واستطرد مالك: "لكن بكل أسف هناك عجز عن تنفيذ هذا الأمر، وليس لأسباب قضائية أو قانونية، لكن لأسباب واقعية. فقوى الأمر الواقع تمنع تنفيذ أية مذكرة وتفرض سلطتها وسطوتها على القضاء والأمن في لبنان".
تداعيات رسالة التهديد ترافقت مع خطوات بالغة الدقة، إثر اتخاذ المحقق العدلي إجراءات بحق مسؤولين سياسيين وأمنيين.
وعدا إصداره مذكرة إحضار بحق رئيس الوزراء السابق حسان دياب، الذي سافر فور تشكيل الحكومة الجديدة إلى الولايات المتحدة، استدعى البيطار وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ووزير المال السابق علي خليل، ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر (وهم نواب حاليون)، وذلك لاستجوابهم كمدعى عليهم، بـ"ارتكاب جرم الإهمال والقصد الاحتمالي الذي أدى إلى جريمة القتل"، في 30 سبتمبر الحالي والأول من أكتوبر المقبل، وذلك في معرض ممارساتهم لمهامهم الوزارية، وتلقيهم مراسلات ومستندات، تحذر من وجود آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت.
وأعلن المشنوق أنه سيتقدم بطلب عدم صلاحية المحقق العدلي بمتابعة القضية. وبدوره، أعلن وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، الأربعاء، الذي أصدر البيطار مذكرة توقيف بحقه الأسبوع الماضي، أنه بصدد تقديم دعوى لكف يد البيطار عن ملف المرفأ بسبب "الارتياب المشروع".
واعتبر محامي فنيانوس، نزيه الخوري، أن "الحالة النفسية للقاضي البيطار ليست مستقرة نتيجة تأثره بمأساة أهالي الضحايا، وبأمور أخرى".
وفي هذا السياق، أوضح المدعي العام التمييزي السابق، القاضي حاتم ماضي، أن "لهذه المسألة أصول تحكمها، فإذا تضمنت الدعوى أسبابا وجدت المحكمة فيها ما يقنع، تحكم بتنحية البيطار، وإلا فإنها ترد طلب الوزير فنيانوس".
التحقيق الدولي لمواجهة تعقيدات القضية
أما عن مسار التحقيق ومصيره منذ وقوع انفجار المرفأ، فإن لجهة الهجوم السياسي المتواصل، والمتوج بالتهديد للقاضي البيطار وقبله القاضي فادي صوان، وعقدة رفع الحصانات عن المسؤولين من سياسيين وقضاة وأمنيين، أو لجهة عدم تعاون الجهات الدولية عبر تسليم صور الأقمار الاصطناعية المتعلقة بالانفجار، أو لجهة الاغتيالات التي رافقته، بدءا بالمصور جو بجاني ومرورا بالناشط لقمان سليم، والعقيد المتقاعد منير أبو رجيلي، وعدم صدور أية نتائج، فيعتبر مالك أن هناك جهات تعيق عمل القضاء.
وتابع: "من الثابت أن هناك شريحة تعيق عمل القضاء، وتسعى إلى طمس الحقيقة وعدم السماح للتحقيق بالتوسع، وصولا إلى إظهار المسؤولين الفعليين عن هذه الجريمة ومحاكمتهم ومعاقبتهم، مما يدل على أزمة تتعلق بالقضاء ككل".
واستطرد: "لا إمكانية لكشف الحقيقة ما لم يتوفر قضاة مثل البيطار. وعدم تمكنه من إنجاز عمله أو تنحيه نتيجة الضغط والتهديد سيطيح بالقضية، وبالتالي عبثا نبحث عن إمكانية متابعتها عبر التحقيق المحلي، مما يستوجب الاستعانة بلجنة تقصي حقائق دولية".
لكن ماضي اعتبر أن "كل ما يصدر عن السياسيين وما يتعلق بالقضية من تحليلات واستعراضات إعلامية لا يؤثر عليها. فالتحقيق الرسمي لا يزال سريا، وقبل إعلان القاضي عن محتواه يفترض الرأي العلمي استبعاد التكهنات والافتراضات".
كما رأى أن "كل الأحداث التي تزامنت مع مسار التحقيق، سواء لجهة الاغتيالات أو غيرها، هي في عهدة القاضي الذي يتصرف عندما يجد ما يستدعي فعلا ما يمكن البناء عليه. أما لجهة رفع الحصانات فالمسألة لها اعتبار آخر، يتعلق بالقانون والدستور ومجلس النواب والقضاء".
أما مالك فرأى أن "ما يتعرض له التحقيق في ملف انفجار المرفأ، أصبح يشبه واقع الحال بشأن جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، مما استوجب اللجوء إلى محكمة دولية لعجز السلطات المحلية عن كشف ملابساتها، واليوم قد نجد أن العجز هو ذاته، مما يفرض الحاجة إلى تحقيق دولي".
وإذا يقر ماضي بأن "ما يجري يؤخر التحقيق، وهو أمر غير جيد"، يوضح أن "اللجوء إلى التحقيق الدولي هو بيد الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، وأن الأمر ليس سهلا أو بسيطا".