قرر الرئيس التونسي قيس سعيد، يوم الأربعاء، تعليق العمل بأغلب أبواب الدستور، ومواصلة تعليق جميع اختصاصات المجلس النيابي المجمد عن العمل منذ 25 يوليو الماضي.
وقالت الرئاسة التونسية، في بيان رسمي، الإربعاء، إن الرئيس سعيد أصدر أمرا رئاسيا يتعلق بـتدابير استثنائية، منها "مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه".
وأضاف البيان أن الأمر يقضي أيضا بـ "وضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه، والتدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية، والتدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية".
وقرر الرئيس سعيد تعليق أغلب مواد الدستور مع مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، بحسب نص البيان.
وتتضمن توطئة الدستور التونسي لعام 2014 والبابان الأول والثاني، مبادئ عامة حول الهوية واللغة والدين والحقوق والحريات. فيما شمل قرار التعليق الأبواب التي تنظم عمل السلطة التشريعية.
كما قرر الرئيس التونسي إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين؛ وهي لجنة قضائية تنظر في مدى مطابقة مشاريع القوانين التي يقر مجلس النواب لأحكام الدستور.
ونص الأمر الرئاسي أيضاً على تولي الرئيس سعيد "إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي".
وكان سعيّد قد كشف في خطاب ألقاه في محافظة سيدي بوزيد، مهد أحداث 2011، يوم الاثنين، أن "هذه التدابير الاستثنائية ستتواصل وقد تمّ وضع أحكام انتقالية وسيتمّ تكليف رئيس حكومة ضمن أحكام انتقالية تستجيب لإرادتكم".
وأعلن في كلمته أنّه "سيتمّ وضع مشروع قانون انتخابي جديد"، وأضاف "إنّنا اليوم في مرحلة تاريخية"، وهي تواصلٌ للثورة.
معارضة حزبية
إلى ذلك، أعلنت أعلنت أربعة أحزاب تونسية رفضها ما سمته بـ" لكل الدعوات الصريحة والمقنعة لتعليق العمل بالدستور أو لتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية دون أفق".
وحذر كل من حزب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب آفاق تونس، خلال لقاء لهم مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، من أن هذا الوضع "يكرّس الحكم الفردي ويهدد بعودة الاستبداد".
من جانبها، زعمت حركة النهضة الإخوانية، أن دعوة سعيد لتعديل الدستور ووضع أحكام انتقالية خطوة نحو "إلغاء الدستور وتفكك الدولة"، في حال استمرار العمل بتدابيره الاستثنائية.
من جانبه، يرى المحلل السياسي التونسي شريف الزيتوني، أن معارضة الأحزاب – بما فيها أحزاب كانت لوقت قريب داعمة للرئيس سعيد مثل حزب التيار الديمقراطي– خطوة طبيعية في دفاعها عن وجودها المهدد بموجة الشعبية التي يحظى بها الرئيس''.
ويضيف في حديث مع "سكاي نيوز" عربية، "خاصة وأن سعيد لديه موقف سلبي من المنظومة الحزبية والديمقراطية التمثيلية التي أوصلت البلاد إلى وضع كارثي"، حسب رأيه، ويريد من خلال هذا المسار من التعديلات التي ستطال النظام السياسي كسر احتكار المنظومة الحزبية للعمل السياسي نحو تمثيل أوسع لشرائح من الشعب بشكل أكثر تمثيل وشفافية، بحسب ما ورد في برنامجه الإنتخابي."
وكان استطلاع للرأي نشر الأحد، قد كشف عن أن سعيّد يحظى بـ"ثقة كبيرة" لدى نحو 72 في المئة من التونسيين، بعد أكثر من شهر ونصف على إعلانه هذه الإجراءات. وأظهرت نتائج الاستطلاع، الذي أنجزته مؤسسة "سيغما كونساي" لسبر الآراء وجريدة "المغرب" اليومية، ، حيازته 90 في المئة من نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية. كما تواصل ارتفاع نسبة تفاؤل التونسيين بالمرحلة المستقبلية إلى 77.2 في المئة، فيما قال 71.7 في المئة منهم إن البلاد "تسير في الاتجاه الصحيح".
مزيد من الخطوات الجذرية
ويعتقد الزيتوني أن الرئيس سعيد ماضٍ في تطبيق تصوراته لشكل النظام السياسي، والتي لم تكن وليدة لحظة 25 يوليو، وإنما جزءاً من برنامجه السياسي الذي دخل به السلطة في 2019.
ويتابع "يبدو أن الرئيس – وإن بدت خطواته بطئية – ماضٍ في التغييرات الجذرية للنظام السياسي وإنهاء حكم منظومة ما قبل 25 يوليو بشكل تام وجذري، لكن يبقى السؤال قائما حول مدى إمكانية نجاحه مستقبلاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد."
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي، أسامة سليم، أن المنظومة الحزبية التي كانت سائدة قبل 25 يوليو "لم تتعلم من دروس التجربة وبقيت أسيرة انشغالها بالثنائيات المطروحة سلفا دون محاولة صياغة تصور ثالث، هل هو انقلاب أو حركة تصحيحية؟ هذا معطى ثانوي، المهم هي تبعات ما قام به سعيد".
ويضيف سليم في مقابلة مع "سكاي نيوز" عربية"، "وربما آن الأوان للكف عن معالجة الأمور بمقاربات تقنية جافة مثل التي يقوم بها الخبراء الدستوريون في تونس وفتح المجال أمام العلوم الاجتماعية والإنسانية".
وأردف "يوم 25 يوليو لاحظنا فرحة جماعية وعفوية تقاسمها جزء كبير من المجتمع، رغم أنه لا يوجد شيء في الأفق إلا أن ما قام به سعيد أعاد الأمل لمجتمع بأسره، وخلق مشتركا بينهم، الناس لم يهتموا حينها بمدى دستورية ما قام به بقدر ما بعث فيهم الأمل من جديد، وهنا تكمن قوة الرئيس -على النقيض من معارضيه- إنه يثمل قوة جمع لا تفرقة".
وتابع "القرارات التي أصدرها اليوم على سبيل المثال تمثل بشكل أو بآخر طلبا مجتمعيا، أعضاء برلمان فاسدون منشغلون بالشجارات بشكل يومي وسط أزمة صحية واقتصادية وعدد وفيات في ارتفاع يومي إضافة إلى انسداد أي أفق ممكن، المجتمع كان ينتظر من سعيد تجميد البرلمان".
وقال الباحث "سعيد كان ينتظر ذروة الغضب المجتمعي لاستيعابه أولا واستثماره لاحقا، وهذا بالضبط ما فعله. و في النهاية قيس سعيد أحدث طفرة، لا نعلم إذا كانت حاملة معها لمشروع أم لا، وما نعيشه نحن هو تحوّل لكن دون مشروعٍ ودون سردية تحتويه كذلك، وربما هذه نقطة ضعف سعيد".