عندما غادر مرتضى أزهري قريته الواقعة شرق العاصمة السودانية الخرطوم، مع 13 شابا من أقرانه متجهين صوب أوروبا، لم يكن يعلم أن 9 منهم ستبتلعهم مياه البحر المتوسط الذي وصلوا شواطئه بعد رحلة برية استغرقت نحو 14 يوما، تذوقوا خلالها صنوفا من المعاناة والعطش والجوع، مما يطرح سؤالا ملحا حول الأسباب التي تدفع آلاف الشباب السودانيين لركوب "المجهول" من أجل "الحلم الاوروبي".
توجه متزايد
ضجت مجالس السودانيين خلال السنوات الأخيرة بقصص مفجعة تحكي عن غرق عشرات الشباب في مياه البحر المتوسط أثناء تهريبهم إلى أوروبا، لكن تلك القصص لا تلقى صدى كبيرا عند الآلاف من الشباب السودانيين.
ويصطف المئات بوميا في مجمعات استخراج جوازت السفر المنتشرة في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، استعدادا للخطوة الأولى في طريق طويل ومحفوف بالمخاطر، من أجل تحقيق الحلم الأوروبي هربا من وضع اقتصادي متردي ومعدلات بطالة تلامس 40 في المئة في بلد يعيش 70 في المئة من سكانه تحت خط الفقر.
قصص مرعبة
بالنسبة للكثير من الشباب السودانيين، فإن حالة اليأس التي تزايدت أكثر خلال السنوات القليلة الماضية تدفعهم للبحث عن أي مخرج مهما كانت المخاطر.
ويقول أزهري إنه عندما فكر في المغادرة إلى أوروبا مع أقرانه الثلاثة عشر، كان كل أمله هو تحقيق ما عجز عن تحقيقه في السودان من تأهيل جيد ووظيفة تكفي احتياجات أسرة تأمن له مستقبل مقبول.
لكن أحلام أزهري وأقرانه تناثرت داخل مياه البحر بعد انقلاب مركبهم قبالة شواطئ تونس.
ويشرح أزهري لموقع سكاي نيوز عربية، قصته المرعبة بالقول: "قضينا نحو أسبوعين بين الصحاري السودانية والتشادية والليبية، وكان يزج بنا المهربين مع نحو 30 آخرين في سيارة صغيرة بالكاد تسع لسبع اشخاص".
ويضيف: "بعد وصولنا إلى إحدى المدن الشاطئية في ليبيا رتب لنا أحد المهربين رحلة إلى شواطئ إيطاليا عبر مركب صغير وضع فيه أكثر من 140 شابا من مختلف الجنسيات.. بعد ساعات قليلة من إبحارنا فوجئنا بموجة عاتية أغرقت المركب وتمكنت أنا وآخرين من التشبث بالعوامات حتى وصلت مركبة أخرى وأجلتنا إلى الشواطئ التونسية، واكتشفت هناك أن 9 من أصدقائي كانوا ضمن 43 ضحية ابتلعتهم مياه البحر".
دافع أقوى
لم تقنع تلك المآسي والقصص الكارثية الشباب السودانيين من الاستمرار في المجازفة، حيث تشير تقارير إلى أن الآلاف يغادرون سنويا عبر الصحراء لشواطئ المتوسط.
ووفقا للكاتبة والباحثة الاجتماعية أسماء جمعة فإن الدافع للهجرة يبدو أكبر من المخاطر نفسها.
وتقول جمعة لموقع سكاي نيوز عربية إن الكثير من الشباب السودانيين يصطدمون بواقع مرير في ظل ارتفاع تكاليف الحياة وشح فرص العمل لذلك يتملكون الياس الذي يدفعهم لتجريب كل الطرق للخروج من هذا الواقع الأليم.
وتعزي جمعة استمرار الظاهرة وتفاقمها إلى غياب دور الدولة والمؤسسات الحكومية المناط بها وضع وتنفيذ السياسات اللازمة لتحسين أوضاع الشباب وترقية حياتهم.