ودعت الجزائر، السبت، ياسف سعدي، الذي يعد واحدا من أبرز الشخصيات التاريخية في البلاد، بعد أن قاد، عام 1957، معركة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.
ولد ياسف سعدي في 20 يناير 1928 بقصبة الجزائر العاصمة، وقد كان مسؤولاً عن "المنطقة المستقلة بالجزائر" بمدينة الجزائر تحديدا في حي القصبة، التي حاول جيش الاستعمار الفرنسي استعادة السيطرة عليها، لما تحمله من قوة مقاومة حيث كانت تضم أبرز القادة الثوريين على رأسهم الشهيد العربي بن مهيدي وجميلة بوحيرد وعلي لابوانت.
ومن أجل ذلك، أعلن الجيش الفرنسي عام 1957 الحرب على المنطقة، فيما يعرف بـ"معركة الجزائر" وقد تمكنت قوات المظليين الفرنسيين من اعتقال ياسف سعدي رفقة المجاهدة زهرة ظريف، وذلك بعد عملية استخباراتية دقيقة، ألقي خلالها القبض على ياسف سعدي في أحد مباني القصبة، وقد اعتبرت فرنسا العملية بمثابة الانتصار العسكري الكبير لجيشها.
وقد نعى الراحل، عدد من الشخصيات الوطنية وكبار المسؤولين. وأكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق لعيد ربيقة أن الجزائر فقدت اليوم رمزا من رموزها وأحد أبنائها البررة، الذي تحدى المستعمر بصبر وشجاعة وثبات إلى أن تحقق الاستقلال.
ووصف رئيس مجلس الأمة المجاهد صالح قوجيل، الراحل بأيقونات معركة الجزائر، وقال: "لقد فقدت الجزائر رجلا من رجالات الجزائر الذين خدموها بإخلاص وما بدلوا تبديلا".
وقد عرف الفقيد بمواقفه وإخلاصه لوطنه وشغفه بالحفاظ على ثورة نوفمبر وبالمساهمة في التأريخ لها كتابة وسينمائيا، وقد ظل ثابتا على المبادئ الحقة ومناضلا من أجلها.
ياسف سعدي الذي عمل خبازا في حي القصبة قبل أن يلتحق بصفوف جبهة التحرير الوطني، عاش بعد الاستقلال مولعا برياضة كرة القدم والسينما، حيث أنتج للفن السابع العالمي عام 1966، فيلم "معركة الجزائر" رفقة المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو الذي يعد اليوم واحد من أهم الأفلام التاريخية.
وقال الناقد السينمائي الجزائرية جمال محمدي، أن ياسف سعدي مجاهد استثنائي بأتم معنى الكلمة حيث يعتبر أول من أنشأ دارا للإنتاج السينمائي في الجزائر، مبرزا أن فيلم "معركة الجزائر" يصنف في خانة أفضل 100 مئة فيلم في تاريخ السينما الثورية العالمية، كما اعتمدت عليه القوات الأميركية كمرجع أكاديمي خلال حربها على العراق عام 2003 لفهم عقلية المقاتلين الذين يخوضون حرب الشوارع.
وقد أشادت الصفحة الرسمية لنادي اتحاد العاصمة بخصال الراحل، وقالت: "نود اليوم أن نشيد بسعدي ياسف رئيسنا الفخري الراحل والرئيس السابق لاتحاد العاصمة، إنه رجل ضحى بنفسه من أجل حرية بلده وأحب اتحاد العاصمة حتى أنفاسه الأخيرة".
وفي السنوات الأخيرة تحولت تصريحات ياسف سعدي إلى حلقة مثيرة للجدل، تتبعها دائما أمواج من ردود الفعل الغاضبة منه، ولكنه كان يصر على مواقفه وآرائه، مشيرا إلى أنه ينقل الحقيقة التي عاشها في الجزائر خلال الثورة وغير مهتم بالانتقادات وهو ما جعل بالرأي العام الجزائري يصفه دائما بالصندوق الأسود للذاكرة الجزائرية.
وقد رحل اليوم دون أن يكشف العديد من الحقائق التي لا تزال تثير الجدل ولا تزال محل تضارب بين أبرز الشخصيات الجزائرية الذين انتقدوا تصريحات ياسف سعدي عندما كان على قيد الحياة، على غرار المجاهد الراحل الرائد لخضر بورقعة والمجاهدة لويزة إغيل أحريز وشقيقة الشهيد الراحل العربي بن مهيدي ظريفة بن مهيدي، والمجاهدة زهرة الظريف، التي قررت تأليف كتاب "ذكري مقاتل جيش التحرير الوطني، المنطقة المستقلة للجزائر".
وتمحورت ردود الفعل في أغلبها حول قضايا الخيانة والمجاهدين المزيفين وخاصة فيما يتعلق بعملية تفجير المنزل الذي كان يختبئ فيه ثلاثة من أشهر شهداء الجزائر (علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي ومحمود بوخميدي بالإضافة لعمر الصغير)، وهي حقائق لا تزال غامضة بالنسبة للرأي العام الجزائري.