يخيم الغموض على مصير العام الدراسي الحالي في لبنان. وسيبقى على غموضه ما لم تتم معالجة المشكلات الحادة المتحكمة بمصيره، وخاصة انهيار قيمة رواتب المعلمين.
ولم تفلح تصريحات المسؤولين في تبديد المخاوف بشأن العام الدراسي الجديد، فقد أكد وزير التربية السابق طارق المجذوب على فتح المدارس الرسمية موعدها.
وكذلك شدد الوزير الجديد عباس الحلبي عن وجوب "أن يكون التعليم حضوريا بعد ضياع سنتين على الطلاب، لكن يجب البحث عن المستلزمات التي تؤدي إلى إنجاح العام الدراسي، بحيث تكون السنة المدرسية آمنة وناجحة".
ولم يكن القطاع التربوي، وتحديدا الرسمي بخير منذ ما قبل النهيار الاقتصادي وقبل الإجراءات التي رافقت فيروس كورونا، وساهمت هذه التطورات في تفاقم أزمة التعليم في لبنان.
ويدير القطاع الخاص مدارسه بما يناسب إستمراريته بمعزل عن القوانين المرعية الإجراء لجهة تحديد الأقساط، لذا تتراوح الزيادات هذا العام بين 30 إلى 50%، لتبلغ في بعض المدارس 70%.
هذا عدا الأسعار الباهظة للكتب والقرطاسية، التي تفوق بكثير الحد الأدنى للرواتب الذي يبلغ 600 الف ليرة لبنانية.
60 مدرسة أقفلت أبوابها
عن واقع هذا القطاع، يوضح الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، أن تحديا كبيرا يواجه العودة إلى المدارس، وعقبات كثيرة تعيقها، وقد تجعلها صعبة أو مستحيلة بسبب تردي الأحوال الاقتصادية والمالية.
وفي ورشة عمل نظمتها الكتلة الوطنية تحت عنوان "أولويتنا الإنسان وسلاحه العلم"، يورد شمس الدين أن مصير التعليم مجهول، مع الصعوبات التي تواجه القطاع.
ويوضح أن عدد المدارس في لبنان للعام 2020/2021 بلغ 2896 مدرسة، 36،6 %منها رسمية، و48،8 % منها خاصة غير مجانية- و11% منها خاصة مجانية.
أما عدد الطلاب فبلغ مليون ونصف المليون طالب، 384741 تلميذا منهم في التعليم الرسمي، و514988 تلميذا في التعليم الخاص غير المجاني،
ويتولى التعليم في هذه المدارس نحو 92 ألف أستاذ، منهم 52 الف أستاذ في ملاك وزارة التربية.
وتتراوح رواتب الأساتذه بين 1،5 مليون و5،2 مليون ليرة لبنانية.
ويشير شمس الدين لـموقع"سكاي نيوز عربية" أن "60 مدرسة خاصة أقفلت أبوابها وخرج 8800 أستاذ من العمل". أما مصير التلاميذ، ولا سيما أولئك الذين سيتسربون من التعليم الخاص، فلا يزال مجهولا مع عجز التعليم الرسمي على إستيعابهم.
الانهيار الاقتصادي
ويرى المدير العام لوزارة التربية، فادي يرق، أن القطاع التربوي في لبنان يواجه خمس أزمات، أولها تداعيات الحرب السورية والنزوح السوري على لبنان، ففي البلاد 200 ألف طفل سوري في سن التعليم، وهذه النسبة تفوق قدرة القطاع على الإستيعاب، إذ أن 340 مدرسة رسمية تتولى تعليمهم. ويشير أن أن هذه النسبة هي الأعلى بين الدول التي تأوي النازحين السوريين قياسا إلى عدد السكان.
والأزمة الثانية، وفق يرق، هي عدم الاستقرار السياسي وتأثيره السلبي على صعيد تنظيم القطاع لتحسينه ونموه. فغياب انتظام العمل السياسي يؤثر على المراسيم والقوانين اللازمة لتطوير القطاع.
أما الأزمة الثالثة فترتبط بالانهيار الإقتصادي والمالي منذ 17أكتوبر 2019، التي طالت المدارس والأساتذة والأهل، فالكلفة التشغيلية للمدارس ارتفعت بشكل مخيف، في السابق كانت 70% من موازنة المدارسة تذهب الى الأساتذة و30% الى الكلفة التشغيلية.
أما اليوم ومع ارتفاع سعر صرف الدلار قياسا إلى الليرة اللبنانية، لم تعد تنفع الأرقام السابقة، فالأعباء ثقيلة، أولها ثمن الكتاب والقرطاسية، ما يجعل العودة الى المدرسة مختلفة هذا العام.
كما أن الوصول الى المدرسة، سواء للأساتذة او التلاميذ لم يعد مسألة تلقائية، مع صعوبة الحصول على المحروقات، وترقب رفع الدعم عن أسعارها.
والأزمة الرابعة سببها فيروس كورونا الذي أثراستفحاله على العالم بنسب معينة، وعلى لبنان بنسب أكبر. وترافق التعليم عن بعد بإشكالات كثيرة وسلبيات تتعلق بنوعية التعليم.
وتسبب انفجار مرفأ بيروت بالأزمة الخامسة. ولا يمكن التقليل من أهمية الخسارة بشكل مباشر على الأبنية. فأكثر من 20 مبنى للجامعة اللبنانية الوطنية تضرر، وكذلك اكثر من 30 مبنى للجامعات الخاصة.
الأساتذة يرفضون التعليم
ويؤكد رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نزيه جباوي، أن الأساتذة سيمتنعون عن التعليم ما لم يتم ردم الهوة العميقة بين تكاليف الحد الأدنى للحياة الطبيعية في لبنان التي تقارب 10 ملايين ليرة، مقابل تدني قيمة الراتب وانهيار قيمته الشرائية بعد ارتفاع سعر صرف الدولار من 1500 ليرة لبنانية الى حوالي العشرين ألف، ليعود ويتراجع من دون ان تنخفض الأسعار.
ويضيف جباوي أن متوسط راتب الأستاذ يبلغ ثلاثة ملايين ليرة. مليون منها تذهب لمادة المازوت بغية الحصول على الكهرباء، ويدفع منها مليونا آخر للمسكن، ليذهب المليون الثالث ثمن ثلاث صفائح وقود للسيارة. هذا عدا السلة الغذائية بحدها الأدنى التي تكلف ثلاث ملايين ليرة. هذا عدا تكاليف التدفئة في الأرياف مع اقتراب فصل الشتاء والتي تقارب اربعة مليون ليرة شهريا.
فوضى القطاع وغياب العدالة
من جهته، يرى نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، رودولف عبود، أن لا عدالة في الرواتب بين الأساتذة في المدارس الخاصة من جهة وبين الأساتذة في التعليم الخاص والعام من جهة ثانية، فراتب الأستاذ في القطاع العام بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، أفضل منه في القطاع الخاص. وفي حين أعطت بعض المدارس زيادة مماثلة لأساتذتها، أحجمت مدارس أخرى عن ذلك. كما أن بعض المدارس لا تزال تدفع كامل الرواتب في حين تدفع مدارس أخرى رواتب مجتزأة بسبب الأزمة الاقتصادية، وتعمد مدارس الى صرف الأساتذة.
ويشير عبود إلى أن الفوضى تعم القطاع التعليمي في ظل الإدارة الفاشلة للدولة. فالتنافس يضر بالمدارس، بالإضافة إلى سوء توزيعها على المناطق اللبنانية. فمن اصل 1600 مدرسة خاصة 50 منها فقط معروفة، ربما 200 منها تعمل، والباقي مجهول. هذا عدا المدارس المتعثرة.
كما أن 80% من المدارس بحاجة الى أساتذة ليس فقط بسبب الهجرة، التي يقبل عليها الأساتذة على الرغم من مستوى تدني قيمة عروض العمل، ولكن لأسباب أخرى ترتبط بالازمة الاقتصادية في لبنان.
البحث عن حلول وخطة خمسينية
أما عن الحلول، فيشير يرق إلى أن بعض التمويل وصل الى القطاع ، لكن الخسارة أكبر.
ويرى أن المطلوب خطة خمسية للعمل مع المانحين والجهات الدولية التي تهتم بالقطاع التعليمي لتحديد حاجة لبنان.
وهذه الخطة تفرض وضع برامج بأهداف، وأولها إلزامية التعليم للجميع بموجب القانون اللبناني، لقطع الطريق على الضرر الذي سيصيب الجيل الجديد إذا تسرب من المدرسة، ويؤدي إلى التطرف بكل انواعه. كذلك يجب تحسين نوعية التعليم ليتمكن اللبناني من المنافسة في أسواق العمل المحلية والعالمية، وفق يرق.
أما شمس الدين، فيعتبر أن قرار العودة الى المدارس مرتجل. يجب ان تتأخر هذه العودة حتى مطلع العام الجديد 2022، ليصار الى دمج سنتين دراسيتين بسنة واحدة للتعويض على التلاميذ. فالعبء الاقتصادي المالي يفرض ذلك بعد دراسة لكل الحالات.
من جهته يؤكد جباوي أن لا عام دراسي اذا بقيت الأمور في حيز الوعود الكاذبة حتى تثبت مصداقيتها. بالتالي فإن العودة الى المدرسة مستحيلة مع قرار هيئة التنسيق النقابية مقاطعة العام الدراسي.