كشف قيام رئيس حركة النهضة و رئيس البرلمان المجمد في تونس راشد الغنوشي بتجميد عضوية القيادي عماد الحمامي، عن حجم الخلافات داخل النهضة وعن حالة التخبط التي يعيشها الإسلام السياسي في تونس، والتي يراها مراقبون إعلانا عن انتهاء عهده بعد عشرية صعبة عاشتها البلاد.
وكان الغنوشي قد جمد عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة في انتظار عرضه على لجنة النظام الداخلي عماد الحمامي بعد انتقادات وجهها له وحمله فيها مسؤولية الأزمة التي بلغتها تونس وإعلانه عن دعمه للمسار الذي انتهجه رئيس الجمهورية قيس سعيد.
ويعتبر مراقبون أن التنظيم الإخواني في تونس يقمع الأصوات المختلفة داخله بشتى الطرق وأن التطورات السياسية الأخيرة كشفت عن حجم الدكتاتورية داخل هذه التنظيمات الإسلامية، رغم محاولتها لسنوات ترويج خطاب معتدل وإيهام الشعب بإحداث مراجعات داخلها وتبني مقاربات ديمقراطية.
ويرى الباحث في دراسات الإسلام السياسي عبيد الخليفي أن مستقبل الإسلام السياسي مرتبط بسلوك زعيمه راشد الغنوشي الذي سلك سياسة الهروب إلى الأمام عبر آليتي الحل والتجميد، فهو بحله للمكتب التنفيذي يريد إعادة صياغة مستقبل الحركة بتهدئة الأصوات الغاضبة وخلق ترضيات جديدة تخضع لإرادته ولا تطالب برحيله من على رأس الحركة، أما التجميد فهو آلية عقابية تلجم وتقصي من يخالف توجهات رئيس الحركة.
وأضاف الخليفي في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الحل والتجميد هما سياسة التمويه والتطهير التي يمارسها رئيس حركة النهضة لرسم معالم المرحلة القادمة بقيادته التي ترفض الاعتراف بأنه هو سبب المشكلة والأزمة التي عرفتها الحركة في الحكم.
وتبين استطلاعات الرأي الأخيرة في تونس رفض الشعب التونسي للتيارات الإسلامية وانهيار شعبيتها وفقدان الشعب ثقته فيها وإقراره بأنها تستعمل الخطاب الديني للتغطية على أغراضها السياسية والسلطوية خاصة بعد أن انكشف تورطها في ملفات الإرهاب والتهريب و الاغتيالات السياسية والفساد المالي.
وقال المحلل السياسي فريد العليبي في تصريحات للموقع، إن "الإسلام السياسي في تونس كان مرتبطا بقوى إقليمية ودولية وراكم قوته على مسار السنين من خلال دعمها وليس عبر قوة ذاتية أو دعم محلي، وقد فهمت هذه القوى أن الإسلام السياسي انتهى، فرفعت يدها عنه مما أدى إلى ضعف حركة النهضة".
ويؤكد العليبي أن حركة النهضة "لم تعد في وضع يؤهلها للاستمرار كحزب سياسي قائم في تونس حيث لم يبق لرئيسها راشد الغنوشي غير دعم عائلته ودائرته الضيقة، و تبدو الحركة متجهة بخطى حثيثة نحو الوهن وهو ما سيترتب عنه خروج مجموعات لتكوين أحزاب جديدة أما القوى المتطرفة داخل الحزب الإسلامي فستحاول اللجوء إلى ردود فعل عنفية بعد تشظي الحركة وانقسامها".
من جهته، اعتبر المؤرخ رياض مرابط أن المناخ العام "لم يعد يسمح باستمرار الإسلام السياسي الذي يعتبر مغامرة خارج الزمن والتي تراجعت بعد أن جربت في الحكم وهو ما ينطبق على الحالة المصرية والتونسية فتجربة الحكم في البلدين وضعت الإسلام السياسي في حجمه الحقيقي".
وأوضح المؤرخ أن "حركة 25 يوليو في تونس التي قادها الرئيس قيس سعيد كانت تتويجا لهذا المسار التاريخي لتراجع الإسلام السياسي، وقال في تصريحات لموقعنا: "أعتقد أنه لم يتم القضاء على التيارات الإسلامية نهائيا وستأخذ وجهات أخرى لتحاول أن تعيش وهو ما يكشف عنه التغير السريع في مواقف حركة النهضة الرسمية التي تحولت من الرفض المطلق إلى محاولة امتصاص الغضب الشعبي والأزمة والدخول في لعبة جديدة".
أما عن رمز المرحلة السابقة راشد الغنوشي، فيقول المؤرخ إنه تهاوى كشخصية سياسية ودخل إلى رفوف وثائق التاريخ ولن يكون له أي دور فعلي في المرحلة المقبلة رغم إصراره على ذلك وهو ما يدعوه موضوعيا إلى الانسحاب وترك الحياة السياسية.
ويعد انسحاب الغنوشي من المشهد السياسي في تونس مطلبا شعبيا ترفع بخصوصه الشعارات في التحركات الاجتماعية وفي تصريحات الحقوقيين و النشطاء.