تحديات وفرص داخلية وخارجية، تلف مصير ومسار التسوية السياسية في ليبيا، بعد عقد من الاضطرابات والفوضى، وذلك مع اقتراب الانتخابات في ديسمبر المقبل، بدفع من المجتمع الدولي، وهي الانتخابات التي تمثل استحقاقا يعول عليه كأفضل أمل للاستقرار في ليبيا.
ولا تزال جملة من العقبات تهدد مسار التسوية السياسية في البلاد، وعلامات استفهام لا تنقطع حول عدد من الملفات، من بينها ملف المرتزقة على سبيل المثال، جنبا إلى جنب ومعضلة التدخلات الإقليمية والدولية، وتأثير التباين الواضح في المصالح والرؤى الاستراتيجية لكل منها على المشهد الليبي، بخلاف التحديات الداخلية المرتبطة باتساع الهوة وحالة الشقاق التي تمثل شوكة في ظهر الليبيين.
على الجانب الآخر، ثمة بوادر تضفي بصائص الأمل لإنجاز التسوية السياسية في البلاد، من بينها التقدم نحو إجراء الانتخابات بدعم من المجتمع الدولي، الذي يبدو أكثر جدية لإجرائها حتى مع التباينات والاختلافات المرتبطة بمواقف بعض القوى، بالإضافة إلى الدور المتنامي لدول الجوار الليبي، الذي بدا بشكل واضح خلال مؤتمر الجزائر الأخير.
فرص وتهديدات
ويسلط السياسي والحقوقي الليبي سراج التاورغي، الضوء في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، على الرهانات السياسية على دور فاعل ومؤثر لدول الجوار الليبي، وذلك ضمن الفرص في سياق مسار التسوية السياسية.
لكنه في الوقت نفسه، يشير إلى تأثير التدخلات الإقليمية والدولية من قبل الدول النافذة في الملف الليبي من غير دول الجوار، وما تشكله بعض تلك الأدوار من عوامل تهديد.
وقال: "دول جوار ليبيا لديها دور كبير ومحوري في ظل الظروف التي يعيشها البلد، كونها مهددة بشكل كبير من الإرهاب وتهريب الأسلحة من الغرب الليبي بشكل خاص، وبالتالي أعتقد بأن دورها رئيسي وجوهري في الأزمة الليبية"، مشيرا إلى نتائج مؤتمر الجزائر الأخير.
لكن التاورغي لفت في الوقت نفسه إلى تدخلات إقليمية ودولية، ملمحا إلى تأثير عدم التوافق الدولي على الملف الليبي إلى حد كبير. وخص بالذكر الدور التركي، "وما يشكله من خطر على مسار التسوية السياسية في البلد، وكذا تداعيات وتأثيرات ذلك الدور على الأمن القومي لدول الجوار".
ومن بين التحديات التي تقف عقبة أمام مسار الإصلاح، التحديات الداخلية الممثلة في الشقاق الداخلي. ويخص المحلل الليبي بالذكر "عناصر قيادية بارزة وعملاء على صلات قوية ومباشرة بأطراف إقليمية، لا تعمل لمصلحة أمن واستقرار ليبيا".
مؤتمر الجزائر
واستضافت الجزائر مؤخرا اجتماعا لدول الجوار الليبي، على مستوى وزراء الخارجية، دعت إليه ليبيا ومصر والسودان وتشاد وتونس ومالي وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، لبحث سبل إنهاء الأزمة الليبية.
وتم الاتفاق خلال مؤتمر الجزائر، على تفعيل الاتفاق الرباعي لحماية الحدود المشتركة، مع التأكيد على رؤى معالجة القضايا الأساسية بالمشهد الليبي.
كما تم خلاله الاتفاق على عقد مؤتمر في ليبيا بنهاية سبتمبر الجاري. وقد أبدت دول الجوار حرصها على توفير الظروف الملائمة لدفع عجلة الاستقرار في ليبيا، مع التركيز على ملف إخراج المرتزقة وإجراء الانتخابات في موعدها.
المرتزقة
وبدوره، قال المحلل السياسي الليبي، فايز العريبي، إن من بين أبرز التحديات التي تواجه المسار السياسي في ليبيا هو ملف "المرتزقة"، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذا "تحدٍ ضخم يهدد الدول المجاورة لليبيا أيضا، سواء ضمن منطقة المغرب العربي والشمال الإفريقي والحزام الصحراوي، خاصة أن ليبيا مساحتها شاسعة وجزءا كبيرا منها مساحة صحراوية مؤهلة لتكون مخابئ للإرهاب العالمي".
وأوضح المحلل السياسي الليبي في هذا الإطار أن "هذه القضايا متشابكة ومترابطة، وكل القوى التي مرت على المشهد السياسي الليبي خلال السنوات الماضية فشلت في بناء دولة، بالتالي يتعين عدم ترك ليبيا بهذا الحال. لابد من أن تكون بها دولة وطنية تمتلك قرارها الوطني، ويتعين أن تظل دول الجوار على تنسيق عالٍ، لا سيما مصر والجزائر".
ومع ذلك، يعتقد العريبي بأن الانتخابات ستتم في موعدها؛ على اعتبار أن "القرار الدولي برعاية الأمم المتحدة يمثل التزاما على المجتمع الدولي، حتى الأطراف الداخلية المعرقلة لإجراء الانتخابات، هي أطراف تابعة لقوى دولية أو إقليمية، ويمكن لتلك القوى نهرها -حال كانت هناك إرادة لتنفيذ الالتزام الدولي بإجراء الانتخابات- فهذه الأطراف ليست صاحبة قرار وطني سيادي".
التوافق الدولي
أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة بنغازي، حسين الشارف، أشار في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى معضلة التوافق الخارجي، كأحد أبرز العقبات أمام المسار السياسي في ليبيا، وذلك بالنظر إلى أن "الدول الفاعلة في الملف الليبي لم تستطع عمليا حتى اللحظة الاتفاق وتنفيذ القرارات".
ويستدل الشارف بتعثر تنفيذ مخرجات برلين 1 و2 عمليا على أرض الواقع، متحدثا في المقابل عن دول الجوار، التي يعتبر أن اجتماعاتها "لم تحرك ساكنا ولم تكن ذات طابع قوي حقيقي ومؤثر حتى تستطيع فرض ما تقره على الإرادة الدولية أو الدول النافذة في الملف الليبي".
وأضاف: "لو كانت هناك جدية حقيقية لرأينا مخرجات برلين تنفذ على الأرض. للأسف الشديد لم نر تحركا جادا فيما يتعلق بالملف الليبي سواء دوليا أو إقليميا".
لكن الشارف تحدث في الوقت نفسه عن الدور المصري، واصفا إياه بـ"المؤثر"، مضيفا أن القاهرة "وضعت خطوطا حمراء على الأرض عندما حاول الأتراك السيطرة على الحقول النفطية ومدينة سرت الاستراتيجية".
مصالح ونفوذ
بينما رئيس المؤتمر الوطني الليبي الجامع، المحلل السياسي محمد العباني، لفت إلى جملة التحديات التي من شأنها التأثير على فعالية الدور المحوري لدول الجوار الليبي، من بينها البعد المرتبط بـ "مصالح ونفوذ الدول الكبرى المتداخلة في الملف"، بالإشارة إلى أن "سيطرة اللاعبين الدوليين على الملف الليبي يعتبر تحد رئيسي، ذلك أن لهم نفوذا كبيرا في ليبيا، وبالتالي يتحكمون في المسار السياسي".
وحول ما إن كان ذلك من شأنه التأثير على إجراء الانتخابات في موعدها، يشير العباني إلى أن "الانتخابات شأن داخلي ليبي، وسوف تتم إذا أجمعت إرادة الليبيين على ذلك الأمر.. ولا يمكن لأية قوة أن تمنع إرادة الشعب إذا انتفض أمام ذلك".
أما بخصوص التحدي المرتبط بوجود أطراف داخلية مرتبطة بإرادات خارجية ومدى تأثير ذلك على إجراء الانتخابات في موعدها، يرى السياسي الليبي أنه "على الأغلب يريد المجتمع الدولي إجراء الانتخابات".