تشتكي عدة أحزاب سياسية في المغرب، من استعمال "المال السياسي" خلال الدعاية الانتخابية لاستمالة أصوات الناخبين، وذلك على بعد 7 أيام من الاستحقاقات البرلمانية والمحلية والجهوية المتزامنة لأول مرة.

وتعالت أصوات الهيئات السياسية مطالبة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة من أجل مواجهة الاستخدام "البشع للمال"، ومحاسبة كل من تورط في استعمال أساليب تخرج عن القانون لحصد الأصوات.

وتحرص السلطات المختصة على التدقيق في مصادر تمويل الحملات الانتخابية، فيما تعمل النيابة العامة على التصدي لكل الممارسات غير القانونية التي من شأنها المساس بنزاهة الانتخابات.

وقد حدد القانون سقفا ماليا يتمثل في خمسة ملايين درهم (حوالي نصف مليون دولار) للمرشحين في الانتخابات التشريعية، فيما تدعم الحكومة الحملات الانتخابية للأحزاب بمبلغ 360 مليون درهم (حوالي 40 مليون دولار).

وسيسهر على مراقبة سير الانتخابات المغربية، أكثر من 4500 ملاحظ يمثلون أزيد من 44 منظمة غير حكومية وطنية، وحوالي 70 ملاحظا دوليا يمثلون 14 منظمة غير حكومية وبرلمانيين دوليين سيتوزعون على مختلف جهات المملكة.

ويتنافس 31 حزبا على أصوات حوالي 18 مليون ناخبا، في الانتخابات المزمع إجرائها في 8 سبتمبر، والتي تجرى في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية مرتبطة بتداعيات انتشار فيروس كورونا.

تحذير من "المال الانتخابي"

وعبرت عدد من الأحزاب المغربية عن رفضها استعمال المال في الانتخابات، كان آخرها حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي استنكر عبر بيان لمكتبه السياسي "استفحال ظاهرة المال البشع وسعي طرف سياسي (لم يذكره) إلى إغراق الساحة الانتخابية بحجم رهيب من المال والإغراءات المختلفة".

ودعا بيان للحزب المعارض الجميع إلى "التصدي بحزم لكل المظاهر الماسة بالخيار الديمقراطي، ولكل الوسائل والأساليب الدنيئة الماسة بالديمقراطية وبنزاهة وشفافية الاستحقاقات الانتخابية".

بينما قال عبد اللطيف وهبي الأمين العام للحزب في إحدى اللقاءات التواصلية إن "الحزب سيعيش انتصارات مهمة يوم الاستحقاقات وهو يلتزم بحملة نظيفة تحترم القانون والأخلاق مدافعا عن الديمقراطية، بينما استعمل المنافسون المال".   

من جانبه، دعا الأمين العام لحزب "التقدم والإشتراكية" (معارض) نبيل بنعبد الله، المواطنين إلى المشاركة المكثفة في الاقتراع، لقطع الطريق أمام ما وصفه بـ"استعمال المال"، معتبرا أن الحملة الدعائية لحزبه تتسم بالشفافية والمصداقية.  

يأتي هذا في الوقت الذي عبر فيه حزب "التجمع الوطني للأحرار" (مشارك في الاتلاف الحكومي) المرشح الأبرز للفوز بهذه الاستحقاقات، عن رفضه "التجاوزات التي أقدم عليها بعض رجال السلطة، الذين من المفروض أن يقفوا على نفس المسافة من كل الأحزاب السياسية والتزام الحياد الإيجابي من مختلف المرشحين".  

أخبار ذات صلة

الانتخابات المغربية.. جدل بعد مرشحات بلا صور
أحزاب المغرب تلجأ إلى "الديجيتال" في الانتخابات

حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، أبدى هو الآخر قلقه من تصاعد "استعمال المال" خلال الاستحقاقات التي قال إنها من المفروض "أن تكون محطة لتعزيز مسار البناء الديمقراطي بالبلاد".

ضبابية المشهد السياسي

ويرى عدد من المراقبين أن تبادل التهم بين الأحزاب السياسية دون تقديم دليل حول استعمال المال بات عرفا سياسي مع كل استحقاق انتخابي بالبلاد. 

ويعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن إشارة رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، إلى اللجوء لاستخدام المال في الانتخابات هو أمر غير منطقي، باعتبار أن الحكومة هي المشرفة دستوريا وقانونيا على الانتخابات.

وأضاف الغلوسي أنه "إذا كان رئيس الحكومة يعتبر أن جهة أخرى غير الحكومة هي التي تتولى تدبير الانتخابات، فعليه التحلي بالجرأة والوضوح السياسي ويحدد بدقة الجهة المقصودة".

ويؤكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام لـ"سكاي نيوز عربية" أن مثل هذه التصريحات وغيرها تزيد من ضبابية المشهد السياسي، مشددا على أنه "أصبح من السهل توجيه الاتهام بالفساد ثم التحالف مع نفس الطرف المتهم لتشكيل الحكومة وتدبير الشأن العام". 

ويتابع: "إننا اليوم في حاجة إلى أحزاب سياسية ديمقراطية قوية ومستقلة بخط سياسي واضح يحسم في الخلط الذي يساهم في تمييع الحياة السياسية ويعمق العزوف السياسي". 

ويدعو الغلوسي، الناخبين إلى قطع الطريق على المفسدين، عبر المشاركة المكثفة يوم الاقتراع، واختيار من يمثلهم بناء على اقتناعهم بالبرامج الانتخابية.

القطع مع الظاهرة

ويستغرب عدد من الفاعلين السياسيين استمرار العمل بمثل هذه الأساليب والممارسات الخارجة عن القانون من قبيل اللجوء إلى الإغراءات المالية لحصد الأصوات، والتي تمس بسير العملية الانتخابية وبنزاهتها.  

في هذا الصدد، يقول أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن هذه الظاهرة تعتبر من مخلفات الممارسات السياسية السابقة، والتي لازالت مستمرة بالرغم من الأشواط المهمة التي تم قطعها لضمان شفافية العملية الانتخابية.

ويعتبر في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن اتهام الأحزاب لبعضها البعض باستعمال الوسائل غير المشروعة لاستمالة الأصوات، هو "تعويم" مقصود للمسؤوليات فيما بينها.

ويشدد أستاذ القانون الدستورين على أن استمرار هذه الظاهرة يعكس صورة سلبية على مصداقية العملية الانتخابية في البلاد، ويمس بمدأ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف بين جميع المرشحين. 

ويؤكد بوز على أهمية المجهود الذي يبدل للتصدي لاستعمال المال خلال الانتخابات، مضيفا أنها مهمة جد معقدة بالنظر لتداخلها بين ما هو اجتماعي وسياسي، معتبرا أن ضبطها والقضاء عليها يتطلب الصرامة والمحاسبة.