بعد سنوات من الخلاف بين الأطياف السياسية، خطت الحكومة العراقية خطوات كبيرة على طريق سن مشروع قانون الخدمة الإلزامية، التي أغليت عام 2003، لكن المشروع يجابه بمعارضة قوية من شتى الأطياف.

وأقرت الحكومة العراقية مشروع قانون "خدمة العلم" (أي الخدمة العسكرية الإلزامية) بعدما كان مجلس شورى الدولة العراقية قد دققه منذ أيام، وأحالة على مجلس النواب لمناقشته وإقراره بصورة نهائية.

وغرّد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على حسابه في "تويتر" معتبرا إقرار الحكومة " إنجازا" لوعد قطعه، مؤكدا أن القانون الحديد سيكرس القيم الوطني لدى الجيل الشاب.

  لكن مراقبين يشككون في احتمال أن يمرر البرلمان القانون، وإن مرره، فقد يواجه مشكلات كثرة تحول دون تطبيقه بشكل تام.

ويواجه مشروع قانون "خدمة العلم" معارضة من قوى سياسية وشعبية على حد سواء، كلٌ لأسبابه الخاصة.

إرث من الخدمة العسكرية

وكان العراق يملك فيما مضى واحدا من أضخم جيوش المنطقة بسبب قانون "خدمة العلم" الذي كان يُطبق لفترات طويلة طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات، وبلغت مدة الخدمة الإلزامية في بعض الأحيان 10 سنوات.

وبعد احتلال العراق عام 2003، ألغى الحاكم الأميركي الأسبق بول بريمر هذا القانون، وصارت الحكومات العراقية المتعاقبة تعتمد على جيش مؤلف من المحترفين المتطوعين، وصلت أعدادهم مع بقية الأجهزة الأمنية والداخلية إلى أكثر من مليون متطوع.

تفاصيل القانون

وينص مشروع القانون الجديد على أن الخدمة العسكرية الإلزامية ستكون فرضا على كل الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 19-35 عاما، في حين أن الخدمة العامة في الجيش تتراوح بين 9-18 شهراً، حسب التحصيل العلمي.

وسيكون للمجندين رواتب مقطوعة، حسب سخونة المناطق التي يخدمونها.

الباحث العراقي، شيروان سورجي، شكك في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" في إمكانية تطبيق قانون الخدمة الإلزامية الجديد بيُسر في المستقبل القريب.

أخبار ذات صلة

العراق.. استدعاء 3 ضباط أدوا التحية لنشيد قومي تركي
مع سطوة الميليشيات والإرهاب.. تساؤلات عن قدرات الجيش العراقي

أسباب المعارضة

وقال: "ثمة قوى سياسية نافذة في العراق، ستعتبر هذا القانون بمثابة ضربة موجهة لها، وهي الجهات الراعية للفصائل والميليشيات، التي تعتبر أي زيادة نوعية أو كمية في الجيش سيكون على حساب نفوذها وسعيها للهيمنة على مفاصل الدولة العراقية".

وأضاف "هذا غير إمكانية استحواذ مئات الآلاف من المجندين على الرأسمال الرمزي والمادي والتسليحي الذي تموله الحكومة العراقية، ويذهب راهناً بأغلبيته إلى تلك الفصائل والميليشيات".

وليست القوى السياسية من تعارض القانون، فثمة معارضة شعبية برزت في شبكات التواصل، الاجتماعي، فغالبية التعليقات تؤكد أن القانون الجديد يسعى لاستنفار المجتمع العراقي، وإجباره على الخضوع للقيم والهيمنة العسكرية من جديد.

ويقول هؤلاء إنه الجيش العراقي في وضعه الحالي لا تنقصه الكوادر البشرية، التي تبدو فائضة قياساً بجميع الجيوش على مستوى العالم.

دوامة المشاكل

الخبير الأمني العراقي ،نشوان حجاوي، قال لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن مئات الآلاف من المجندين الذين سينخرطون في الجيش العراقي سيدخلون ضمن الدوامة الحالية لآليات عمل الجيش، وهي مزيج من الفساد والولاءات المناطقية والطائفية، وطبعاً نسبة عالية منهم ستكون بمثابة (جنود فضائيين أي مسجلين على الورق فقط)، حيث ستبدأ آليات الإعفاءات والفرز للخدمة الخاصة لصالح كبار الضباط في منازلهم وحياتهم الخاصة".

ويضيف حجاوي "أكبر المعضلات ستظهر فيما يخص إقليم كُردستان، من حيث الأماكن والوحدات التي ستُفرض على مواطنيه. فهل ستكون ضمن قوات البيشمركة الكُردية أم ضمن وحدات الجيش العراقي، داخل إقليم كردستان أو في باقي مناطق العراق. الأمر نفسه يخص المجندين العراقيين من باقي المناطق".

عسكرة المجتمع

المعلقون العراقيون عبروا كذلك عن مخاوفهم من أن يؤدي القانون الجديد إلى عسكرة المجتمع العراقي، بحيث يتحول الجيش إلى الفاعل الرئيسي والأقوى في البلاد، وتالياً أن ينخرط مستقبلاً في التدخل في الشؤون السياسية والخلافات القومية والمناطقية في العراق.

وطالبوا بأن تكون "خدمة العلم" مدنية، ينخرط فيها المواطنون العراقيون ضمن المؤسسات المدنية للدولة العراقية، وليس الجيش.

وأغلب هذه الانتقادات تأتي من إقليم كردستان، الذي يخشى أبناؤه أن يعود الجيش إلى الحلول والآليات التي كان يتصرف عبرها مع الإقليم في العقود الماضية، عبر حروب دامية أوقعت مئات الآلاف من الضحايا.