أعادت التفجيرات الدموية الضخمة التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي في العاصمة الأفغانية كابل، وراح ضحيتها مئات القتلى والجرحى من بينهم 13 جنديا أميركيا قتلوا خلال الهجوم المزدوج على مطار كابل، أعادت طرح المخاوف الجدية حول العالم من عودة التنظيم لتجميع صفوفه واستعادته القدرة لتنفيذ مخططاته هجماته الإرهابية.
ويرى خبراء في شؤون الجماعات الإرهابية، أن هذه العودة الداعشية لم تعد مجرد تكهنات أو تهويلات، ولا تقتصر فقط على أماكن نشاط التنظيم التقليدية في العراق وسوريا، بل تمتد على امتداد المنطقة، وخاصة عبر داعش خراسان، والذي هو فرع التنظيم في أفغانستان وآسيا الوسطى.
ويتخوف المراقبون من أن تنامي حضور داعش الإرهابي على الساحة الأفغانية، سيسهم في خلط الأوراق أكثر في البلاد، وفي تكريس حال الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار هناك كما وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويأتي ذلك مع تصاعد وتيرة هجمات التنظيم وعملياته الإرهابية في سوريا والعراق، لدرجة أن داعش قد تبنى خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، مسؤولية عدة هجمات في العمق السوري في محافظة حمص وسط البلاد، ما يشي بعودته للتمدد في مختلف المناطق السورية، وليس فقط في مناطق تواجده السابقة في شمال سوريا وشرقها، وخاصة في المناطق القريبة والمتاخمة للحدود مع العراق.
وعن تأثيرات دخول داعش كعامل توتر على خط الأزمة الأفغانية المتفجرة أصلا، يقول الباحث السياسي الأفغاني فضل القاهر قاضي، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "واضح تماما أن تنظيم داعش يشكل تهديدا رئيسيا في أفغانستان من الآن وصاعدا، ولمختلف دول المنطقة، وسيشكل تحديا مركزيا في وجه حركة طالبان، التي تحاول بسط سيطرتها على البلاد، ما يفرض على الحركة الإسراع في ترتيب الأوضاع وتشكيل حكومة أفغانية تملأ الفراغ في البلاد".
ويتابع قاضي: "أعتقد أنه بعد هذا الهجوم على مطار كابل، فإن وتيرة انعدام الثقة بين حركة طالبان ودول العالم، ستخف وربما نشهد تطور تعاون وتنسيق بينها وبين الدول المعنية، كالولايات المتحدة في مواجهة إرهاب داعش، ووضع خطط شاملة في هذا الإطار".
ويضيف: "هناك معلومات وتسريبات هنا في كابل، تفيد بحصول لقاءات بين مسؤولين في طالبان مع الأميركيين، وتشير لدعوة طالبان لواشنطن بفتح خطوط التبادل والتواصل الدبلوماسيين بين الطرفين، ما يؤشر لحدوث تنسيق مستقبلي أوسع، وخصوصا في وجه داعش خراسان".
ويردف الباحث السياسي الأفغاني :"يتفق المراقبون هنا على أن المرحلة القريبة القادمة، ستشهد حدوث صدامات ومواجهات عنيفة بين طالبان وداعش، في المسرح الأفغاني، وخاصة في مناطق جنوب شرق أفغانستان وفي شمالها أيضا، حيث ينشط تنظيم داعش خراسان، والذي يفوق عدد عناصره الألفين، فضلا عن خروج عدد كبير مؤخرا من عناصر التنظيم من السجون الأفغانية، بعد إطلاق سراح طالبان للسجناء، عقب سيطرتها على العاصمة وبقية المناطق، ما سيسهم في تزايد خطر تنفيذ عمليات إرهابية من قبل تلك العناصر الخطرة، في مختلف المدن والمناطق الأفغانية مع الأسف".
من جانبه يرى الكاتب والباحث جميل آريز، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن: "قوس العودة الداعشية يمتد من كابل الأفغانية إلى حمص السورية، وهي عودة نذير شؤم تستدعي تداعي مختلف دول المنطقة والعالم، للتحسب لارتدادات الزلزال الأفغاني، ولعودة تحول أفغانستان لمفرخة ومنصة للجماعات التكفيرية والإرهابية حول العالم، فما أحدثه الانسحاب الأميركي من أفغانستان، من عودة ظهور داعش بقوة هناك، ينسحب تماما على الساحتين العراقية والسورية أيضا، سيما في ظل تواتر الحديث عن الانسحاب الأميركي من العراق نهاية العام الجاري، وكذلك من مناطق شمال وشرق سوريا، حيث سينجم عن ذلك ولا شك عودة قوية للتنظيم في كلا البلدين".
ويضيف: "ضخامة ودموية العمليات الإرهابية الأخيرة لداعش، في محيط مطار كابل، هي إشارة واضحة لمدى جدية الخطر الداعشي وفداحته، لكن مع الأسف فإن سياسات واشنطن المتخبطة وضبابيتها، إن في أفغانستان، أو في العراق وفي سوريا، هي من العوامل الرئيسية التي لا تساعد في كبح جماح هذا التنظيم الإرهابي، ومنعه من العودة مجددا، بل وهو يستفيد من ذلك، ويوظفه في سياق اعادة تأهيل نفسه كما نلاحظ الآن".
وكان داعش في أفغانستان، الذي يعرف نفسه بفرع "ولاية خراسان" قد تبنى التفجيرين الداميين اللذين وقعا خارج مطار كابل، مما أسفر عن مقتل 72 شخصا، من بينهم 13 جنديا أميركيا.
وتأسس هذا التنظيم في أفغانستان عام 2015، ويحمل اسما قديما لآسيا الوسطى التي تضم أفغانستان .
وارتكب التنظيم الإرهابي فظائع يندى لها الجبين هناك، مثل ذبح 16 شخصا بينهم رضيعان حديثا الولاة في مستشفى تديره جمعية أطباء بلا حدود في كابل عام 2020، إضافة إلى هجوم مسلح على جامعة كابل في العام نفسه مما أدى إلى مقتل 22 طالبا. وكذلك استهدف مدرسة للبنات في العاصمة الأفغانية، بعدة سيارات مفخخة ما أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلا.
وجاء تأسيس الفرع الأفغاني من داعش، بعدما اختار زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، الباكستاني حافظ سعيد خان، المقاتل السابق في حركة طالبان باكستان "أميرا" لـ"داعش خراسان". وكان خان قد بايع البغدادي زعيما في عام 2014، ومعه عددا من قادة طالبان باكستان .وتولى القيادي السابق في حركة طالبان الأفغانية، عبد الرؤوف كاظم، منصب نائب خان.
ويضم تنظيم "ولاية خراسان" خليطا من المسلحين المنتمين في السابق لفصائل مسلحة، مثل طالبان باكستان و"جماعات عسكر الإسلام" الإرهابية، و"شبكة حقاني" في أفغانستان، و"جماعة الدعوة"، والحركة المتشددة في أوزبكستان. ووصل عدد مسلحي التنظيم الإرهابي لنحو 3- 4 آلاف في عام 2016، إبان توسع التنظيم الأم داعش في سوريا والعراق.
وتقول منظمة الأمم المتحدة أن التنظيم يعتمد في المقام الأول، على خلايا منتشرة في جميع أنحاء أفغانستان، تعمل بشكل مستقل ولكنها تشترك في نفس الفكر. وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فقد شن تنظيم داعش خراسان، في الربع الأول فقط من عام 2021 لوحده، 77 هجوما في أفغانستان، ما شكل زيادة كبيرة في عدد الهجمات، عن الفترة نفسها من العام الماضي.