مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في المغرب، باشرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتذكير الخطباء بعدم استغلال المساجد في الدعاية الانتخابية.
ودعت الوزارة الوصية على المساجد والشؤون الدينية، في رسالة لمندوبيها بالأقاليم والجهات بالمملكة، إلى "التزام الحياد التام في خطبهم ومواعظهم، بتفادي كل ما قد يفهم منه صراحة أو تلميحا قيامهم بالدعاية لفائدة أو ضد هيئة سياسية أو نقابية أو أي مرشح".
كما طالبت الوزارة بـ"إخبارها بالقيمين (الخطباء أو الأئمة أو المرشدين) الراغبين في الترشح في الانتخابات، من أجل التشطيب عليهم نهائيا، وفق ما ينص عليه القانون المنظم لعمل القيمين الدينيين".
وقد يكبح هذا التذكير الوزاري العمل الدؤوب لـ"حركة التوحيد والإصلاح" على حشد أصوات الناخبين لفائدة "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، علما أن العديد من الأئمة والخطباء ينتمون للحركة التي تعد ذراعا دعويا للحزب، وينتشرون بشكل واسع على مستوى مساجد المغرب.
تذكير وزاري روتيني
في قراءته لسياق رسالة وزارة الأوقاف، يرى المحلل السياسي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الحكيم أبو اللوز، أن الأمر "تحكمه عدة محددات، حتى أضحت الدعوة روتينية مع كل محطة انتخابية".
ويوضح أبو اللوز في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الأمر بدأ عام 1990 عندما أوقفت الوزارة مجموعة من الخطباء المنتمين، ومنعت بذلك الجمع بين مهام القيمين الدينيين بصفة عامة واستغلال هذه المهام في الدعاية الانتخابية".
و"إثر ذلك ظهرت مجموعة من توصيات ومن أوراق وقوانين وزارة الأوقاف، منها خطة ميثاق العلماء في 2005 التي أوصت بالنأي عن الخوض في السياسة، أي أن يكون الخطيب طرفا في أي حزب"، حسبما يؤكد المصدر نفسه.
وفي السياق ذاته، يعتبر أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط عبد المنعم لزعر، أن "التعليمات الصادرة عن وزارة الأوقاف اعتيادية وإجرائية، تحمل رسائل تذكير وتحذير للخطباء والأئمة لالتزام الحياد والتحفظ".
وتابع لزعر لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "التعليمات أملتها بعض التجارب السابقة التي كان فيها عدد من خطباء الجمعة يستغلون منابر المساجد الترويج لحزب بعينه ومرشح بعينه، بشكل صريح أو ضمني".
الحركة خزان انتخابي
وقد ارتبط هذا الأمر، بـعدد من الخطباء المنتمين لحركة التوحيد والإصلاح الذين تبنوا الدعاية للحزب الإسلامي، حسبما يشير أستاذ القانون والعلوم السياسية.
وشدد لزعر على أن "الحركة تشكل خزانا انتخابيا للحزب، وجيش احتياط يوفر له ما يحتاجه لخوض غمار الانتخابات".
وحسب المصدر ذاته، فإن "حزب العدالة التنمية عندما يفشل في إيجاد مرشح ينتمي لمدرسة السياسة، يبحث عن مرشحه في المدرسة الدعوية".
وأضاف لزعر أن "كل هذا وغيره من المؤشرات تؤكد أن هناك اتصالا استراتيجيا واندماجا بين رهانات الحزب ورهانات الحركة".
ولادة دعوية للحزب
ولم تكن بدايات حزب العدالة والتنمية عادية، إذ ولد من رحم الجماعات الإسلامية عندما قرر بعض قيادييها الاندماج في حزب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، الذي كان يتزعمه الراحل عبد الكريم الخطيب.
وقتها ترددت في الساحة السياسية المغربية لأول مرة عبارة "نحن لم نأت لنسيّس الدين، ولكن جئنا لنديّن السياسة".
ويقول الكاتب نور الدين علوش في كتابه "التوحيد والإصلاح.. قراءة في المسار": "لذلك لا يمكن فهم خطاب حزب العدالة والتنمية وأسلوب عمله السياسي بذات الطريقة التي يُفهم بها سلوك الأحزاب السياسية الأخرى".
واستطرد الكاتب: "لم تكن طبيعة نشأة الحزب سياسية، بل السياسة ضمن المنظور الأولي لم تكن سوى لازم من لوازم الدعوة، والفاعلون السياسيون في منشأ هذا الحزب لم يكونوا سوى الفاعلين الدعويين، الذين دخلوا العمل السياسي برؤية دعوية يحضر فيها خطاب التخليق أكثر من أي خطاب آخر".
غير أن أبو اللوز يعتقد أن حزب العدالة والتنمية "اتجه في طريق الفصل بين الدعوي والسياسي، في تكتيك أرغم عليه لأنه لا يتحرك وحده في دائرة سياسية، بل هو محكوم بمحددات الممارسة السياسية في المغرب".
وأضاف المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أنه "لكي يحافظ الحزب على الشعارات الكبرى التي رفعها منذ ظهوره، منح ذراعه الدعوي هذه المهمة".