قبل 4 سنوات تقريبا، انتهت الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وهذا يفترض أن النازحين الذين تركوا ديارهم بسبب القتال أن يعودوا إليها، إلا أن الذي يحدث هو العكس تماما: العراقيون يعودون إلى مخيمات النزوح.
ويعيش قرابة المليون نازح عراقي، داخل مخيمات ومراكز إيواء في محافظات عدة، خاصة الشمالية والغربية منها، وفي إقليم كردستان العراق، وغالبية النازحين هم من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك.
وما يزيد المشهد قتامة أن الكثير من النازحين ممن عادوا إلى ديارهم الأصلية التي نزحوا منها، بعدما اجتاحها تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، سرعان ما يعودون لمخيمات النزوح مرة أخرى، بفعل سوء الخدمات وشحها، وتردي الأوضاع المعاشية والاقتصادية.
المخيم أفضل من الموصل
يحكي خلف، وهو من نازح من الموصل مركز محافظة نينوى شمالي العراق لموقع "سكاي نيوز عربية": "كنا بين خيارين أحلاهما مر، فإما العودة لمناطقنا المنكوبة، أو البقاء هنا في المخيمات، ورغم رجوعنا لديارنا ومحاولتنا التأقلم وتحمل شظف العيش ومشقاته، لكننا اضطررنا في النهاية وعلى مضض للعودة مرة أخرى للعيش في المخيمات".
ويتابع: "فلا فرص عمل ولا استقرار، ولا ماء ولا كهرباء ولا خدمات كما يجب، وأمام هذا الواقع الرهيب فقدنا البوصلة، فما قاسيناه وتعرضنا له من فظاعات وأهوال طيلة هذه السنين الماضية، قلب حيواتنا رأسا على عقب، لدرجة أننا مغتربون في وطننا، وحتى عندما عدنا لمناطقنا حيث بيوتنا وأقربائنا وأصدقائنا ومرابع ذكرياتنا، كنا نشعر باغتراب وقلق وعدم استقرار".
ويضيف "أنا عامل يوميات، لكن في غالبية أيام الأسبوع، لم أكن أحصل على فرص عمل، ومع الغلاء وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، ما عدت قادرا على تدبر الأمر وتأمين قوت أسرتي، فقررنا الرجعة للمخيم من حيث أتينا، حيث أقله هنا ورغم صعوبة العيش في مراكز إيواء جماعية، تصلنا معونات ومساعدات من منظمات إغاثية".
اعتراف حكومي
وتعليقا على ظاهرة النزوح العكسي هذه، تؤكد إيفان فائق جابرو وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية رئيسة لجنة تنفيذ الخطة الوطنية لإعادة النازحين لمناطقهم الأصلية المحررة في تصريحات صحفية: "رغم عودة العديد من النازحين لديارهم، لكن هناك للأسف نزوح عكسي من العائدين إلى المخيمات، بسبب التحديات الناجمة عن انعدام الخدمات العامة كالكهرباء والماء والدور المهدمة، إلى جانب المشاكل العشائرية، وهذه المخاوف تظل عقبة رئيسية وعائقا أمام عودة النازحين ".
من جانبه، يشكك عضو في لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي: "جدوى مثل هذه الدعوات الحكومية، التي تفتقر لخطط عملية منظمة، وهي بحاجة لقرارات سياسية واضحة، تتبعها آليات تنفيذ ومتابعة دقيقة، وليس خافيا هنا أن هناك جملة مصالح سياسية واقتصادية لقوى متنفذة إن في بغداد أو أربيل، تدفع نحو ابقاء ملف المخيمات والنازحين معلقا، وعبر المماطلة في تأمين شروط العودة الكريمة والآمنة لهؤلاء النازحين من مناطقهم".
المطلوب توفير المقومات
ويضيف البرلماني العراقي، الذي فضل عدم الافصاح عن هويته لموقع "سكاي نيوز عربية "ليس المطلوب العودة وفقط وتحت أي ظرف كان، وتحويلها لشعار ومضمار للمزايدات، لكن المطلوب هو تحسين شروط الحياة والخدمات في المناطق المنكوبة التي فر منها الناس، مثل سنجار وغيرها العديد من مناطق، اكتوت بنار الإرهاب وهجرها سكانها".
ويتابع: "هناك تفاصيل أمنية وحياتية واقتصادية شتى، تتعلق بتأمين حيوات النازحين العائدين وتعويضهم، وتوفير مساكن لائقة وفرص عمل لهم، خاصة وأن البنى التحتية شبه مدمرة في العديد من مناطقهم الأصلية، وهي بحاجة لترميم بل واعادة بناء من جديد".
ويضيف "من المعيب على السلطات العراقية أن يفضل الناس العيش تحت خيام، بدلا من العيش في مناطقهم المفتقرة لأدنى الشروط الإنسانية، وباعتراف وزيرة الهجرة التي أقرت بوجود هجرة عكسية من النازحين نحو المخيمات، التي رغم كل سلبياتها وبؤسها، تبقي أفضل قياسا بواقع الخدمات المتردي في مختلف أنحاء العراق، ما يشكل ناقوس خطر ينبغي أن تبادر الحكومة العراقية على ضوئه لمعالجة الأسباب، التي تدعو المواطنين لتفضيل حياة النزوح في مخيمات العراء على الحياة في مدنهم وقراهم".