أثنى محللون وباحثون سياسيون على الخطاب الأخيرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، معتبرين أنه "أرسى أسسا جديدة للعلاقة مع إسبانيا، ورسم معالم شراكة مبنية على الاحترام المتبادل، بعيدا عن العقليات المتعالية التي أصبحت متجاوزة".
وفي خطاب وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب، مساء الجمعة، بسط الملك محمد السادس يده نحو إسبانيا، معلنا اعتزام بلده مواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ورئيسها بيدرو سانشيز، من أجل تدشين "مرحلة جديدة وغير مسبوقة"، في العلاقات بين البلدين الجارين، مما أعطى إشارات تفيد أن المغرب دولة ذات سيادة ترغب في التعامل مع جوارها الأوروبي على أساس منطق "رابح-رابح".
وقال الملك محمد السادس في خطابه: "صحيح أن هذه العلاقات مرت في الفترة الأخيرة بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي الثقة المتبادلة وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها، إلا أن "المغرب اشتغل رغم ذلك مع الطرف الإسباني بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية".
رسائل إلى "الجيران"
وجاءت تصريحات الملك بعد شهور من التوتر بين الرباط ومدريد، على خلفية استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم على أراضيها بهوية مزورة، بدعوى علاجه من تداعيات إصابته بفيروس كورونا.
وفي تعليقه على هذه المبادرة الملكية، قال المحلل السياسي خالد فتحي إن خطاب الملك كان "كثيف المعاني وغنيا بالإشارات التي تستدعي التحليل، بحيث كانت موجهة لعدة أطراف لا سيما الجار الإسباني الذي ذكّره الملك بكل لباقة ومن دون أن يسميه، بالخطأ الفادح الذي تم اقترافه من خلال السماح لرئيس البوليساريو بدخول الأراضي الإسبانية بأوراق هوية مزورة، وهو ما أضر آنذاك بصورة إسبانيا وعلاقاتها مع المغرب".
وأضاف فتحي في تعليقات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الملك "ربط أيضا بكل ذكاء بين هذه الواقعة التي لا تشرف بعض المؤسسات الإسبانية، والحملة التي استهدفت جهاز المخابرات المغربي من خلال اتهامه زورا وبهتانا باستعمال برنامج التجسس (بيغاسوس)".
وأوضح أن "الهدف من الحملة على أجهزة الأمن المغربية هو تشويه صورة المخابرات المغربية وتدمير سمعتها وضرب رصيدها في محاربة الإرهاب، ومحو مساهمتها في استتباب الأمن العالمي".
وتابع المحلل قائلا: "هكذا أوضح الملك لشعبه وللعالم معالم وخبايا وخلفيات المؤامرة المحاكة من عدة أطراف، تتلاقى مصالحها في الإضرار بالمغرب. الملك أشار الى أن انبعاث المغرب كقوة جهوية قد تم بنجاح، لذلك تشتد الدسائس ضده حتى من بعض شركائنا التقليديين الأوروبيين الذين لا يرحبون بالمنافسة المغربية في إفريقيا".
ورأى أن "بعد هذا العتاب، عاد الملك كما هو دأبه دائما مع الجيران إلى مد اليد لمدريد داعيا إياها إلى اعتماد مقاربة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل للمشروع في علاقة متكافئة، كأنه يدعو إسبانيا إلى الاستفادة مستقبلا من خصوصيات العلاقة المتينة التي تربط البلدين".
قوة إقليمية
وأكد الملك محمد السادس في الخطاب أيضا، على أن "المغرب يتعرض لعملية عدوانية مقصودة من طرف أعداء الوحدة الترابية، الذين ينطلقون من مواقف متجاوزة ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا وقويا ومؤثرا".
وأوضح أن "المغرب مستهدف لأنه دولة عريقة تمتد لأكثر من 12 قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة منذ أزيد من 4 قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب".
وسجل الملك أنه "من بين الدول، التي لا تريد أن يبقى المغرب حرا قويا ومؤثرا، يوجد قليل من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين".
وعلق قال الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة على هذه النقطة، قائلا إن "الملك محمد السادس لم يتحدث باسم المغرب فحسب، بل كقائد مغاربي يمثل منطقة تضم أزيد من 100 مليون نسمة".
واسترسل الطوسة في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، قائلا: "من هذا المنطلق استنكر الملك محاولات زرع الفتنة والأحقاد بين الدول المغاربية".
ترحيب إسباني
وفي أول رد رسمي من الجانب الإسباني بشأن مضمون خطاب ملك المغرب، أكد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، السبت، أن الخطاب يشكل "فرصة سانحة" لإعادة تحديد الركائز والمعايير التي تؤطر العلاقات بين إسبانيا والمغرب.
وقال سانشيز، في لقاء صحفي في قاعدة توريخون دي أردوز الجوية مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل: "أعتقد أنه مع كل أزمة تتولد فرصة"، معتبرا أن "خطاب الملك يشكل فرصة سانحة لإعادة تحديد العلاقات بين البلدين والركائز التي تقوم عليها".
آفاق جديدة
وفي السياق ذاته، تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس عبد المالك إحزرير، مؤكدا أن "العاهل المغربي أعلن عن أشواط مهمة في مستقبل العلاقات الخارجية، لا سيما مع إسبانيا وفرنسا".
وأوضح أن "هناك رهانا كبيرا على تعميق العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية العريقة جدا والتقليدية"، مؤكدا على ضرورة تبديد سوء التفاهم من أجل إعادة العلاقات على أسس واضحة وأكثر صلابة.
وتوقع الباحث في العلوم السياسية أن تتوطد العلاقات القوية والتاريخية بين المملكة وفرنسا، بالنظر إلى ما يجمع بين الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون من علاقات ودية.
كما اعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي مصطفى السحيمي، أن خطاب الملك محمد السادس "يشكل خارطة طريق لمبادئ الدبلوماسية المغربية".
وأوضح السحيمي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الملك تطرق بإسهاب إلى ملابسات الوضع الذي يميز العلاقة بين المملكة وبعض القوى المعادية في الخارج، مؤكدا أن المغرب قوي ويجمع بين الأمن والاستقرار والمصداقية، التي تمكنه من مواجهة المصاعب والأزمات والتهديدات".