تجددت الخلافات بين قيادات تنظيم الإخوان في الخارج على وقع أزمة الاختلاسات المالية القديمة، وللمرة الثانية قرر القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم إبراهيم منير بتحويل الأمين العام السابق ومجموعة من معاونيه إلى لجنة تحقيق داخلية واتهامه باستغلال منصبه لنهب أموال الجماعة.
وتشهد الجماعة حالة من الغليان منذ إعلان القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان إبراهيم منير، رسميا قرار حل المكتب الإداري لشؤون التنظيم بتركيا وكذلك مجلس شورى القطر، في يونيو الماضي، وكذلك تأجيل الانتخابات الداخلية التي كان من المزمع إجراؤها خلال أسابيع لاختيار أعضاء مجلس الشورى العام، لمدة ستة أشهر.
ووفق مصادر مطلعة، أثارت قرارات "منير" الأخيرة غضب قطاع كبير من قيادات الجماعة التاريخية، مؤكدًا أنهم أجروا عدة اتصالات وترتيبات خلال الأيام الماضية مع قيادات داخل مصر وخارجها لإقناعهم بإصدار بيان موحد بعزل منير، كخطوة استباقية قبيل إعلان قرار حل اللجنة بشكل رسمي.
وتشير المصادر إلى الخلاف القديم بين اللجنة التي تضم في عضويتها محمود حسين الأمين العام السابق للتنظيم، الذي ألغى منير منصبه في سبتمبر الماضي بعد أن أعلن نفسه مرشداً للجماعة عقب القبض على محمود عزت من جانب السلطات المصرية.
وترجح المصادر أن تعلن اللجنة من خلال بيان إعلامي موقفها الرافض لقرارات منير، فيما تتخذ إجراءات لترتيب قرار عزله والإعلان عنه.
ووفق المصادر ستشهد الفترة المقبلة خلافات حادة بين المرشد وقيادات التنظيم في تركيا حول إجراءات تعيين مكتب جديد وكذلك اختيار مجلس شورى عام للتنظيم وفق الآليات التي وضعها منير مسبقاً والتي تقضي بعدم ترشح أي قيادة حالية للمجلس المقبل، وهو ما يثير حالة من الغضب.
ويرى الباحث المصري المختص في الإسلام السياسي، مصطفى أمين أن حالة من الغضب الكبير تسيطر على قيادات الجماعة وأعضائها بسبب قرارات المرشد العام إبراهيم منير، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة تحركات تصعيدية ضده قد تصل بالفعل إلى عزله، باعتباره تسبب في أزمات كبيرة للتنظيم ولم ينجح في حسم أي من الملفات العالقة، كما أنه أساء التصرف إلى حد كبير ردا على التقارب المصري التركي، بسبب تصريحاته المتناقضة في حواره مع إحدى القنوات ولقاءه عدد من قيادات الجماعة مع حزب السعادة المعارض لأردوغان.
وأوضح أمين لـ"سكاي نيوز عربية" أن الجماعة تعيش في الوقت الحالي أزمة داخلية عاصفة سوف ينتج عليها انشقاقات داخلية وتصدعات، بعد أن كشفت قرارات الجانب التركي مدى خداع الجماعة لأعضائها برسم صورة غير حقيقية عن طبيعة الدعم التركي الذي سرعان ما تلاشى نهائيا بعد أن أدرك الرئيس رجب طيب أردوغان مدى الخطر الذي يمثله التنظيم على مستقبله السياسي وعلاقات بلاده مع محيطها الإقليمي، وهو ما يعكس سوء إدارة القيادات التنظيمية لهذا الملف.
ويعيش تنظيم الإخوان حالة صدمة ويأس بعد التوجيهات الأخيرة بتقليص دور منافذ إعلامية نشطة للتنظيم معادية لمصر تبث من تركيا، وكذلك بعد تسريبات متوالية عن نية أنقرة تسليم قيادات هاربة من العدالة في تركيا منذ عام 2014 إلى بلدهم.
أموال الدعم تشعل فتيل الأزمة
ويرجع الخلاف في أصله إلى التمويلات التي يسيطر عليها محمود حسين ومجموعته بشكل كامل منذ نحو عقدين، حيث اسندت له مهمة الإشراف على جمع التمويلات والتبرعات باعتباره الأمين العام للجماعة والأقرب إلى القياديين النافذين في التنظيم، محمود عزت وخيرت الشاطر.
ويعد محمود حسين واحدا من أهم القيادات داخل جماعة الإخوان الإرهابية، وتقدر ثروته بـ11 مليون دولار، كما يمتلك فللا في إسطنبول وسيارات فارهة من طراز بى إم دبليو، وتم اتهامه من قبل أعضاء جماعة الإخوان باختلاس 2 مليون دولار جاءت كتبرع للجماعة ثم انتهز محمود حسين الفرصة واستولى عليها، وفق تصريحات قيادات شبابية داخل التنظيم.
ويطلق شباب الإخوان على محمود حسين اسم "الصندوق الأسود"، دلالة على تحكمه الكامل في كافة أسرار التنظيم وأمواله.
إعادة ترتيب البيت من الداخل
ووفق مراقبون يسعى القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، إبراهيم منير بخطوات متسارعة لإيجاد حل عاجل ومنجز للأزمة العاصفة، التي كادت تنهي التنظيم تماماً، خاصة بعد تصاعد وتيرة الخلافات الداخلية والاتهامات المتبادلة "العلنية"، بين قيادات التنظيم بالفشل والتورط بالقضاء على مستقبل التنظيم.
ويصف الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي عمرو فاروق ما يحدث في التنظيم بأنه "إعادة تشكيل جماعة إخوان جديدة"، هذه الجماعة لديها صلاحيات دولية وليس محلية في مصر، موضحاً أن المحاولات تتم داخل التنظيم بشكل مكثف في الوقت الحالي لصياغة خطاب إعلامي على المستوى الدولي لمخاطبة جهات ودول بعينها ولا يركز على الشأن الداخلي المصري كما كان الحال خلال السنوات الثماني الماضية.
ويقول فاروق في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" إننا أمام نسخة جديدة يمكن أن نسميها "جماعة الإخوان الليبرالية"، يتم هيكلتها وصياغتها برعاية أمريكية وبريطانية.
وحول القرارات الأخيرة للمرشد العام إبراهيم منير، والتي أشعلت فتيل الأزمة الداخلية بين عناصر التنظيم، يقول فاروق إن القرارات قديمة وكانت مؤجلة للإعلان في الوقت المناسب، وما يحدث في الوقت الحالي هو إحكام السيطرة من جانب منير لتصفية جميع خصومة وحسم الخلافات الداخلية لصالح جبهته، مشيراً إلى أنه رجل بريطانيا، ويحظى بدعم كبير من المسؤولين البريطانيين.
ويتوقع فاروق أن ينجح المرشد الحالي في حسم الخلاف لصالحه خاصة في ظل ترهل الأوضاع داخل الجماعة وغياب القيادة التاريخية عن دورها التنظيمي، وكذلك الأحكام القضائية الباتة بشأن إعدام عدد من قيادات مصر، وهو ما يؤكد أن هناك تغييرات داخلية كبيرة ستحدث داخل الجماعة على مستوى القيادات.