حالة من الصدام والتوتر تشهدها العلاقة ما بين الرئيس التركي رجب أردوغان وحلفائه من إخوان ليبيا، بعد فشلهم في تحقيق أي مكسب سياسي داخل البلاد وتراجع شعبيتهم وتلاشي نفوذهم، بما يهدد مصالح تركيا داخل الأراضي الليبية ويضع أهداف أردوغان على المحك.
وشهدت الأيام الماضية تصعيدا للخلاف من جانب أردوغان ضد قيادات الإخوان، للضغط من أجل إعادتهم إلى مربع النفوذ، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع عقدها في ديسمبر المقبل.
ويرى الخبراء أن سقوط الإخوان في تونس ألقى بظلاله الثقيلة على الجماعة في ليبيا، لذلك يسعى أردوغان لاستغلال عناصر التنظيم من أجل توطيد موطن تواجده الأخير في المنطقة، حفاظاً على ما تبقى من مشروع الإسلام السياسي.
وبحسب حديث خبراء سياسيين ليبيين لـ"سكاي نيوز عربية" فإن أردوغان يتعامل مع قيادات تنظيم الإخوان على أنهم أفراد من حكومته يجب أن ينفذوا أوامره بدقة داخل ليبيا، وأنهم سيتلقون حسابا عسيرا منه حال فشلهم في تثبيت دعائم حكمهم، خاصة بعد الإطاحة بتنظيم الإخوان في تونس من الحكم؛ ما جعل ليبيا الورقة الأخيرة في يده داخل الشمال الأفريقي.
وتحدث الرأي العام الليبي مؤخرا، وخاصة بعد زيارة رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة لأنقرة خلال اليومين الماضيين، عن أن أردوغان يحاول الآن الحصول على أية مكاسب اقتصادية بعد تأكده أنه اعتمد على رهان خاطئ سياسيا، وأن التنظيم لن يفلح في تثبيت ركائز حكمه دون العنف واستخدام القوة؛ وهو الأمر الذي لن يستطيع تنفيذه الآن نظرا لتمسك المجتمع الدولي بفرض الاستقرار في ليبيا.
"زيارة الابتزاز"
وأثارت زيارة الدبيبة إلى تركيا ومقابلته أردوغان، السبت، بحضور محافظ مصرف ليبيا المركزي، القيادي الإخواني الصديق الكبير مخاوف الليبيين من عملية ابتزاز أخرى تتعرض لها الحكومة من قبل أنقرة والإخوان، بمقتضاها تحصل تركيا على مكاسب مادية تغطي بها على الأزمات الاقتصادية الكبيرة الي تشهدها.
وقال مصدر لـ"سكاي نيوز عربية" من داخل الحكومة الليبية إن الدبيبة سيعود محملا بعقود واتفاقيات وقع عليها هناك بنفسه مع أردوغان، فضلا عن وعود قدمت لسداد مديونيات على ليبيا بحجة عدم إكمال عقود مبرمة بين الشركات التركية وليبيا نتيجة الفوضى التي شهدتها الأخيرة في احتجاجات 2011 على نظام حكم معمر القذافي.
وبحسب ما كشفته مصادر لـ"سكاي نيوز عربية" في وقت سابق، فإن أردوغان طلب من الدبيبة سداد مبلغ 5 مليارات دينار (3.8 مليار دلار) باعتبارها "ديون مستحقة من سنوات سابقة".
واتفق الطرفان على دفع تعويضات ضخمة للشركات التركية وسداد "الديون المتراكمة" منذ سنوات طويلة، كما ناقشا عودة الشركات التركية للعمل في ليبيا، إضافة إلى وضع اتفاقيات جديدة تشمل قطاعات البترول وإعادة الإعمار بمليارات الدولارات، وفق المصدر ذاته.
وبالتزامن مع هذا التمكين الاقتصادي، تواصل ليبيا جهدها لاستمرار التمكين العسكري، واتضح هذا في تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، السبت، خلال تخريج وحدة من القوات الخاصة التركية، قل لقاء الدبيبة وأردوغان، بأن القوات التركية في ليبيا ليست قوات أجنبية، في معرض تأكيده على عدم الاستجابة للمطالب الليبية والدولية بانسحاب القوات الأجنبية ومرتزقتها من ليبيا.
سباق مع الزمن
وينبه المحلل السياسي الليبي إبراهيم الفيتوري إلى أن أردوغان يسابق الزمن الآن للحصول على أكبر مكسب اقتصادي من ليبيا قبل الانتخابات؛ حيث أن أحداث الشهور الأخيرة أكدت لأردوغان أنه اعتمد على الرهان الخاطئ، وأن الإخوان في ليبيا أصبحوا بلا شعبية، ووجودهم لم يكن إذ لم تتواجد المليشيات في البلاد.
وأضاف الفيتوري لـ"سكاي نيوز عربية" أن الحكومة التركية عندما كانت تشعر بقلق في ليبيا تجاه وجودها تسارع وتبرم معاهدات دولية مع طرابلس؛ بمقتضاها تثبت أرجلها في البلاد، كما حدث حين وقعت مع حكومة فايز السراج في 2019 اتفاقية بحرية وأمنية بمقتضاها أرسل قوات تركية لمساعدة الميليشيات في صد الجيش الوطني الليبي الذي كان على وشك دخول طرابلس وطرد تنظيم الإخوان منها.
والآن- يتابع الفيتوري- تحاول أنقرة قبل الانتخابات، والتي فشلت في تأجيلها أو تحسين صورة تابعيها لانتخابهم، أن تحصل على مكاسب كبيرة بأن تبرم اتفاقيات جديدة تجبر بها ليبيا أمام المحاكم الدولية على دفع أموال ضخمة.
واستبعد المحلل السياسي، بناء على هذا، إمكانية إخراج المرتزقة السوريين من غرب ليبيا؛ حيث أن تركيا متمسكة بأي تواجد لها في شمال أفريقيا، خاصة بعد ما حدث في تونس لأعوانها، مشيرا إلى أن تركيا قد تعيد العنف الذي قامت به ميليشياتها في عام 2014، بل ويمكن أن تدعم بعد ذلك فكرة تقسيم ليبيا حتى تحتفظ بموضع قدم لها داخل البلاد.
كما توقع الفيتوري أن أردوغان سيحاسب قيادات الإخوان في ليبيا حسابا عسيرا بسبب فشلهم السياسي، وعدم قدرتهم على كسب قطاع من الشعب الليبي يدعهم في الانتخابات؛ حيث أن مخططات تركيا كانت ترمي في المقام الأول للحصول على تأييد شعبي كبير للإخوان يسمح لهم بإجراء ما يريدونه دون حدوث أزمات.
تضييق الخناق على الليبيين
من جانبه قال عضو مجلس النواب سعيد أمغيب إنه في حالة تم صرف أي أموال لتركيا فإن الحرب سوف تعود، ولن يكون هنالك أي حديث عن الانتخابات لا في ديسمبر القادم ولا بعد القادم.
وبرر أمغيب ذلك في منشور له على موقع "فيسبوك" بأن تقديم الدعم لتركيا يأتي في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات والمشاكل لتضيق الخناق على المواطن.
وأكمل: "إذاً وهذه أول مرة أقولها ليس أمام الشعب الليبي إلا أحد خيارين كلاهما مر، إما إيقاف تصدير النفط، أو التجهيز لبيان إعلان الانفصال عن حاضنة الأتراك وكل المطالبين ببقائهم".