رغم إصرارا الداعية السلفي، محمد حسان، خلال محاكمة المتهمين بالانتماء لداعش في مصر، أن فتاواه لم تكن سببا في تطرف الشباب، إلا أن دلائل وخبراء يؤكدون ذلك.
وكان محمد حسان قد حضر بصفتها شاهدها في محاكمة 12 متهما بالانتماء للتنظيم الإرهابي في القضية التي تعرف بـ" خلية داعش إمبابة".
ويدلي حسان بشهادته في هذه القضية، بعدما طلب محامي اثنين من المتهمين في القضية استدعائه، زاعمين أنهما سارا على نهج حسان وداعية آخر هو محمد يعقوب.
وخلال شهادته، نفى الداعلية السلفي أن تكون أفكاره أو خطبه أو الدروس الدينية التي يلقيها أو يشرف عليها، ذات صلة بالفكر المتطرف.
واعتبر أن بعض الشباب أساءوا فهمه، قائلا: "العيب في إساءة الفهم من السامعين".
أدلة تدين حسان
لكن هيئة المحكمة لم تكتف بشهادة الداعية السلفي كما هي، إذ واجهته بمقاطع فيديو تظهره وهو يحرض على الجهاد في سوريا، إبان حكم الرئيس الإخواني السابق، محمد مرسي.
وفي الفيديو، قال حسان: "الجهاد واجب بالنفس والمال والسلاح، كل على حسب استطاعته".
وأضاف: "جهاد الدفع واجب عيني على كل من يتعرض لسفك الدم، ومن قتل دون ماله ودون عرضه ودون دمه فهو شهيد".
تبرير
وبعد ذلك، طرحت المحكمة على حسان سؤالا يتصل باستغلال بعض الشباب تصريحه بشأن الجهاد في سوريا للسفر هناك والانضمام لداعش، ليرد الداعية: "ما قُلته كان حديثاً مُوجهاً للملوك والحكام، وسوء القصد عند البعض لا يتحكم فيه القائل أو المُتكلم".
ولم يكن الفيديو الذي واجهت به المحكمة حسان، هو الوحيد الذي يثبت أن فتاواه وتصريحاته أدت إلى تورط البعض في الإرهاب، ففي عام 2016، نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، حوارا مع شخص يدعى محمد يحيى، الذي كان مترجما لتنظيم داعش الإرهابي.
وقال يحيى في الحوار، الذي أجري في سجن عسكري، إن سبب انضمامه إلى داعش كان فتوى محمد حسان عن الجهاد في سوريا، مؤكدا أنها "ملأت عقله".
ولم يصدر من الداعية السلفي حتى يومنا هذا رد على ما جاء في الحوار، الذي أجره الصحفي الشهير، روبرت فيسك.
تعريف التطرف الكلامي
وبحسب دراسة حديثة لدار الافتاء المصرية، عن "التطرف.. أشكاله ودوافعه وآثاره وتاريخه"، فإن "التطرف القولي" هو المرحلة الانتقالية للتطرف العنيف، وأن الإنتاج الكلامي لأصحاب الفكر المتطرف سواء كان خطابات أو مؤلفات أو فتاوى يمثل الركيزة التي تبنى عليها التنظيمات سلوكها وأفعالها الإرهابية".
وتضيف الدراسة، أن الفتوى تمثل أحد الأدوات الهامة، التي تستعملها التنظيمات المتطرفة لتحقيق أهدافها.
وتقول مصادر في دار الافتاء المصرية إن فتاوى محمد حسان ودعوته للجهاد في سوريا تندرج ضمن هذا الإطار إذ إنها تخدم الجماعات المتطرفة، وتشكل لها إطارا نظريا لعملياتها الإرهابية.
تناقضات حسان
ويقول ثروت الخرباوي، الإخواني المنشق، والباحث في شؤون الاسلام السياسي، إن الوجه المتناقض الذي ظهر عليه محمد حسان أمام المحكمة غير مستغرب، فرغم أنه أول من دعا الشباب إلى الجهاد في سوريا، خرج ينتقد جماعة الإخوان والتكفيريين وداعش لينقذ نفسه ويبرئ ساحته أمام القضاء.
وأضاف الخرباوي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "أتذكر اليوم الذي دعا فيه حسان إلى الجهاد أثناء مؤتمر نصرة الثورة السورية، بحضور محمد مرسي، وسألت حينها: "هل أصبحت سوريا أرض الجهاد، فكيف حال فلسطين هل هي أرض المعارض؟".
وأكد الخرباوي أن دعاة السلفية وعلى رأسهم حسان، بعيدين تماما، عن وسطية الإسلام، التي تدعو إلى التسامح والسلام والإخاء، لاسيما أن رسائلهم الدينية تحمل تحريضا على العنف والإرهاب، وراح ضحيتها العديد من الشباب.
دور الجهل في التطرف
ويقول الدكتور طارق أبو هشيمة مدير مؤشر الفتوى العالمي في حديث لموقع "سكاى نيوز عربية" إن الجهل هو المناخ المناسب لانتشار التطرف، لأن الأفكار المتطرفة سطحية، وتعتمد على الاستدلال الانتقائي، والتفسير الظاهري للنصوص الشرعية.
وأضاف أبوهشيمة أن عمليات تجنيد عناصر الجماعات المتطرفة دائما ما تطال ذوي المعرفة الضئيلة بالعلوم الدينية والشرعية لعدم قدرتهم على تحليل الخطاب المتطرف، واستبصار تناقضاته وضعفه.
ونوّه إلى أن منظري التطرف يحرضون دائما على هدم القامات العلمية الإسلامية قديما وحديثا، ليحصروا مصادر التلقي في جماعة معينة لدعم الفكر المتطرف.
وينبه أبوهشيمة إلى أن كثير من المتطرفين الذين يتصدرون للفتوى لا يملكوا أقل صفات التأهل لها، ويستخدمون ذلك لنشر الفتاوى التحريضية وإعادة صياغتها على ألسنتهم.
ضوابط الجهاد
وتعليقا على دعوة حسان ودعاة السلفية إلى الجهاد في سوريا وغيرها، يقول الدكتور أسامة الحديدي مدير عام مرصد الأزهر للفتوى الالكترونية إن الأصل في الإسلام أن الجهاد هو من فروض الكفايات التي يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة، فهم الأقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية.
وأضاف الحديدي في حديث لموقع "سكاى نيوز عربية" أن أولي الأمر والساسة ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إلى الجهاد من صد ُعدوان أو دْفع طغيان، فيكون القرار مدروسا من جميع جوانبه ومآلاته دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد.
ومصطلح الجهاد لا يعني القتال فقط، بل إن من الجهاد إعداد الجيوش وحماية الحدود وتأمين الثغور، حسب الحديدي الذي يضيف أن إعداد قوة الردع أهم من ممارسة القتال نفسه؛ لأن فيها حقنًا للدماء، وعليه فإن ما تقوم به مؤسسات الأمن المعاصرة في البلدان الإسلامية يعكس حالة الجهاد الرشيد المنصوص عليه في الإسلام.