اختُتمت في القاهرة، الثلاثاء، أعمال مؤتمر الإفتاء العالمي السادس، بعنوان "مؤسسات الفتوى في العصر الرقمي"، واتفقت وفود إسلامية من 85 دولة مشاركة في المؤتمر على أهمية التصدي للجماعات المتطرفة وما تبثه من أفكار وفتاوي تخريبية وتكفيرية، وضرورة اقتحام المؤسسات الدينية ودور الإفتاء ميدان التكنولوجيا والاستفادة منها في مواجهة الفكر المتطرف.
وبحث المشاركون في المؤتمر الذي يحمل شعار "نحو مؤسسات إفتائية رقمية" متطلبات تطوير المؤسسات الإفتائية تقنيًّا، ودعم التقنيات القائمة.
ويعد المؤتمر الذي استضافته القاهرة 2 و3 أغسطس، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكبر تجمع ديني عالمي منذ انتشار وباء كورونا، وحرصت دار الافتاء المصرية على انعقاده وسط تدابير مشددة للوقاية من الفيروس المستجد.
مواجهة التطرف
ويقول الدكتور محمد البشاري، أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي، في حديث لموقع سكاى نيوز عربية، إن مواجهة الجماعات المتطرفة وخطاب الكراهية وتحمل مسؤولية تصحيح المفاهيم المغلوطة، ستكون أفضل، حال توحيد وتنسيق جهود دور الإفتاء ورقمنة أعمالها.
ومن الضرورات التي يقترح البشاري التعجيل بها، رقمنه التراث الفقهي ونشره على وسائل المعرفة والتواصل الحديثة، بهدف سد أي ثغرات على الفضاء الإلكتروني قد تنفذ منها الجماعات المتطرفة وتبث سمومها.
وأكد أمين المؤتمر الإسلامي الأوروبي أهمية انعقاد مؤتمر الإفتاء العالمي السادس، كونه أول تجمع علمي ديني لأكثر من 100 مفتي في العالم منذ انتشار وباء كورونا.
ودار الإفتاء المصرية معروفة عالميا بأنها من أفضل الدور التي توظف الفضاء الرقمي بلغات متعددة، من وجهة نظر البشاري، مضيفا أنها تعمل على تلبية تطلعات المسلمين بالمعرفة والعلم، ومن أوائل مؤسسات الافتاء التي طبقت التحول الرقمي وقدت نموذجا ناجحا ورائدا في هذا المجال.
مواجهة الفتاوي المسمومة
وخلال جلسات المؤتمر تم الإعلان عن حصاد المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية، حيث تصدرت مصر كأكثر الدول إصدارا للفتاوى بنسبة بلغت 17% خلال النصف الأول من العام لاعتمادها الوسائل التكنولوجية الحديثة.
وحذر المؤشر العالمي للفتوي من العودة العنيفة والدموية للتنظيمات المتطرفة إفتائيا وحركيا بعد تراجعها خلال 2019، مؤكدا اعتمادها على خطاب إفتائي ينتهج العنف، والتزايد الملحوظ في استخدام ألفاظ التكفير ومزيد من التحريض على العنف وسفك الدماء.
ولفتت نتائج المؤشر إلى أن فتاوى التنظيمات الإرهابية انعكست على أرض الواقع بالتوسع في إفريقيا وآسيا واستهداف رجال الجيش والشرطة والمدنيين من مختلف الديانات في أكثر من دولة.
لا بديل عن الرقمنة
ويقول الشيخ مهاجري زيان، رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، في حديث لموقع سكاى نيوز عربية، إن انتشار جائحة كورونا جعل العالم يتنبه إلى أهمية التحول الرقمي والتطور التكنولوجي في حياتنا اليومية، خاصة في مجال الفتوى والدعوة الدينية.
وعن أهمية التقنية الرقمية في العملية الإفتائية، أكد زيان أن دور الإفتاء مطالبة بالسعي للاستفادة من التقنيات الحديثة وإقامة جسور تعاون بين مؤسسات الإفتاء، في ظل التحول الرقمي الذي تشهده مختلف المؤسسات الدينية وغير الدينية في العالم.
ولفت رئيس الهيئة الأوروبية الإسلامية إلى انعكاس التحول الرقمي بشكل إيجابي على أعمال مؤسسات الافتاء، وتحقيق نتائج أفضل سواء في الإفتاء ونشر الإسلام الوسطى أو مواجهة الفكر المتطرف والارهابي.
مبادرات المؤتمر
وفى ختام المؤتمرِ العالميِّ السادسِ أطلقت الأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء في العالم، عدة مبادرات، منها وثيقة "التعاون والتكامل الإفتائي" لتكون أول وثيقة تقرر قيم ومبادئ وضوابط وآليات التعاون والتكامل بين مؤسسات الفتوى.
ويجري الإعداد حاليا لوضع تصور لبرنامج سلام الأكاديمي، ليُتيح المعرفة الأكاديمية بتاريخ الجماعات المتطرفة وسيكولوجيا وسُسيولوجيا التطرف وأهم مصادره، ومصفوفة المغالطات الفكرية التي تستند إليها التنظيمات المتطرفة.
وتضمنت مبادرات المؤتمر إنشاء "الذاكرة الرصدية والمكتبة الإلكترونية لدراسات التطرف"، وهي ذاكرة متعددة اللغات تضم كافة إصدارات التنظيمات التكفيرية والإرهابية، والدراسات والكتب والأبحاث والتقارير المتعلقة بظاهرة التطرف والإرهاب.
ومن المقرر انطلاق مؤتمر دولي منتصف ديسمبر حول "التطرف الديني.. المنطلقات الفكرية واستراتيجية المواجهة".
وتضمنت المبادرات أيضا إطلاق التطبيق الإلكتروني العالمي للفتاوى، وهو تطبيق بالإنجليزية والفرنسية ويهدف إلى ضبط الخطاب الإفتائي باللغتين، وإصدار كتب وموسوعات تدعم الإفتاء ومواجهة التطرف.
يوم عالمي للإفتاء
وشملت توصيات المؤتمر دعوة دور وهيئات الافتاء إلى تفعيل المبادرات المُعلن عنها، والعناية بلجان الإفتاء الجماعي وتبادل الخبرات في مجال الفتوى واعتبار وثيقة التعاون والتكامل الإفتائي خريطة طريق لذلك.
وأوصي المؤتمر بإنشاء وحدة مخصَّصَة للتحول الرقمي تابعة للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لتقديم الدعم التكنولوجي والرقمي لمؤسسات الفتوى.
ودعا المؤتمر منظمة الأمم المتحدة إلى اعتبار15 من أكتوبر يومًا عالميًّا للإفتاء، كما دعا كافة الدول والمنظمات إلى وضع آليات لإدارة عالم ما بعد كورونا في إطار من السلم والأمن والمحبة والوئام.
مشاركة دولية ودعم مصري
وقبل انطلاق المؤتمر، الاثنين، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي ممثلين عن أبرزَ الوفود المشاركة في المؤتمر في قصر الاتحادية، وعبر عن دعمه للمؤتمر، وشدد على أهمية مواكبة مؤسسات الإفتاء للتطور والتصدي للمنصات الإلكترونية التي تبث أفكارًا مغلوطة تشوش على جوهر الدين الإسلامي.
وتطرق الرئيس المصري إلى أهمية تصحيح الخطاب الديني على مستوى الأفراد والجماعات والدول، واستعرض الرئيس المسؤولية والدور المهم الذي تضطلع به المؤسسات الدينية العريقة في مصر، والمتمثلة في دار الإفتاء والأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.
وتعليقا على أعمال للمؤتمر شدد الشيخ نصر الدين مفرح، وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني في حديث لموقع سكاي نيوز عربية، على أن ما نشهده حاليا من جهود في مجال الرقمنة يعد خطوة على الطريق الصحيح في توحيد الأمة الإسلامية والعمل على الإفتاء الجماعي الذي نبحث عنه في كبريات القضايا، مثل مواجهة الإرهاب والتطرف والعنف والفساد.