بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، لا تزال الأبنية وشرفات منازل قيد الترميم، لكن ببطء شديد، فيما بقي العديد من سكان الأحياء المدمرة بعيدين من منازلهم، حيث يعيشون بمساكن مؤقتة أو ملاجئ مشتركة، أو حتى في منازل أصدقائهم وعائلاتهم، فيما يقطن آخرون في منازلهم رغم تضررها وتعرضها لخطر الانهيار، خشية فقدان حقهم بالعودة.
وقبيل أيام على حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس 2020، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، أصدرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أول تقرير رسمي لبناني حول الانفجار، تحت عنوان: "رصد انتهاكات حقوق الإنسان في الاستجابة لانفجار مرفأ بيروت".
وأفاد التقرير بأن "الوقائع والمعلومات التي تم جمعها حول انفجار مرفأ بيروت وما تبعه، أثبتت إهمالا وفشلا كبيرا من جانب السلطات اللبنانية، في حماية حقوق الصحة والمسكن والغذاء والتعليم لجميع السكان".
وأوضح التقرير أن "الوزارات والإدارات المعنية بالإسعاف والإغاثة لم تضع استراتيجية مشتركة، أو أي خطة عمل لتلبية حاجات السكان فيما بعد وقوع الكارثة"، لافتا إلى التوزيع "غير العادل" للمساعدات على المتضررين من الانفجار.
ولعل المشكلة التي يجمع عليها معظم المتضررين من انفجار المرفأ، هي أن أصحاب المنازل أو الشركات أو حتى السيارات، لم يحصلوا حتى الساعة على مساعدات، أما من وصلت إليهم بعض الأموال فهي لا تكاد تكفي ثمن الزجاج الذي تحطم، وهؤلاء في معظمهم من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة.
وأوضح مفيد دلال، وهو صاحب مبنى في منطقة الجميزة التي أصيبت بأضرار فادحة جراء الانفجار، أنه ولغاية اللحظة لم تنته أعمال الترميم كما يجب، لشدة الضرر الذي وقع في مباني المنطقة.
وأشار في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن جمعيات أهلية وزعت بعض الحاجيات إبان وقوع الانفجار، كالخيم البلاستيكية والأغطية قبل حلول الشتاء، وأن جزءا من المساعدات وصلت من الجيش اللبناني، بانتظار الجزء المتبقي.
وتابع: "أنا أفضل حالا من جيراني الذين حتى اليوم لم يتمكنوا من تصليح مبانيهم وجعلها صالحة للسكن".
تداعيات نفسية
وبعد عام على الانفجار، بقي الأثر النفسي للصدمة قائما، إذ قالت ماي جميزي، وهي صاحبة مبنى في منطقة الأشرفية شرقي بيروت، لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا أستطيع أن أتذكر ولا أتحدث عن الانفجار. لسنا بخير جميعنا".
وفي هذا الصدد، قالت مديرة العلاقات العامة في جمعية "أومبراس" للعناية بالصحة النفسية، هبة دندشلي، لموقع "سكاي نيوز عربية": "استطاعت الجمعية الوصول إلى 9500 شخص تأثروا من الانفجار، والضرر النفسي متفاوت، فهناك من يعتقد بأنه لا يشكو من شيء بينما جروحه النفسية مختبئة وقد تظهر لاحقا".
ودعت دندشلي رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم مشاركة مشاهد الانفجار بمناسبة الذكرى الأولى، مشيرة إلى أن نسبة تلقي الاتصالات على الخط الساخن ازدادت حاليا تزامنا مع الذكرى.
وقالت: "الجروح لا تقتصر على المقيمين، فهناك المغترب الذي قضى الانفجار على ذكرياته، ولا يقتصر الدمار الذي خلفه على الشوارع والمباني السكنية فحسب، بل طال الواجهة البحرية للعاصمة بيروت، وأهم الفنادق التي لا تزال متوقفة عن العمل حتى الآن".
واستطردت: "كذلك العديد من المطاعم والمقاهي السياحية ومعارض السيارات الفخمة ومؤسسة كهرباء لبنان وغيرها من مؤسسات الدولة الرسمية، ومباني وشركات الاتصالات وخزانات الوقود.. جميعها تضررت" .
واختتمت دندشلي تصريحاتها لموقع "سكاي نيوز عربية" بالقول: ""أدى انفجار مرفأ بيروت إلى نزوح حوالي 150 ألف امرأة، من بينهن 84 ألف سيدة وفتاة في عمر الانجاب، وبعد مرور أكثر من شهر من وقوع الانفجار المدمر، أصابت حالة من عدم اليقين والخوف هؤلاء النسوة والفتيات، وفق إحصائيات منظمة اليونيسف التي تابعت دراسة هذه الحالات الخاصة ".
جهود الترميم
من جانبه، قال المهندس المعماري طارق زعيتر، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن العديد من الجمعيات غير الحكومية تعمل على ترميم المباني بالتعاون مع مهندسين في محيط المرفأ.
وأضاف: "عملنا في عدة أحياء محيطة بمنطقة الانفجار في الباشورة والكرنتينا والجعيتاوي والجميزة، وكان همنا الحفاظ على طابع البيوت التراثي، خاصة في الجميزة التي استحوذت على الاهتمام كي تبقى هوية المباني كما هي سواء في اللون أو الشكل".
وعن طبيعة الترميم، قال: "نعمل لمساعدة الناس الذين لا يزالون يسكنون في البيوت المهدمة بشكل جزئي، ونركز على البنى التحتية التي تأثرت كثيرا، خصوصا في المناطق الأثرية. نقوم بترميم وعزل الأسطح والواجهات الخارجية، وما زال هناك الكثير من العمل مع مراعاة الحفاظ على الشكل التراثي للمنطقة ".
وأوضح زعيتر أن معظم المباني التي تعرضت للدمار، تقع في دائرة قطرها 2 كلم من موقع الانفجار، مقدرا عددها بنحو 10280 مبنى.
وأظهر مسح أجرته محافظة بيروت، بدعم من برنامج من الأمم المتحدة، أن الانفجار خلف أضرارا جسيمة على مستويات متعددة، ودمر مساحات شاسعة من النسيج العمراني داخل حدود بلدية بيروت وبرج حمود.